المندرة نيوز

الطيب خميس يكتب.. الشرعية الثورية– النشأة، الحاجة، والحدود ️

الخرطوم=^المندرة نيوز^
حين يولد حدث استثنائي كالثورة، فإنه يهزّ الأرض تحت أقدام المنظومات القانونية والدستورية القائمة. الأنظمة تسقط، البرلمانات تُحل، الدساتير تُجمَّد، والمؤسسات تُعاد هيكلتها أو تُلغى. في هذا الفراغ الكلي، تبرز “الشرعية الثورية” كضرورة، لا كترف فكري أو تنظيري.
لكن هل هي شرعية قابلة للاستمرار؟ وهل يجوز لها أن تحكم بنفس منطق الشرعية الدستورية؟ هذا ما سنحاول تفكيكه في هذا المقال.
ما هي الشرعية الثورية؟
الشرعية الثورية هي حالة انتقالية من الشرعية، تولد من رحم الفعل الجماهيري الواسع، وتحوز على قبول شعبي يستمد سلطته من قدرة الثورة على الإطاحة بالنظام القائم، وفرض إرادة جديدة باسم “الشعب”.
هي شرعية بلا مؤسسات مستقرة، بلا انتخابات، بلا رقابة برلمانية. لكنها تكتسب مشروعيتها من لحظة استثنائية تعبر فيها الجماهير عن رفضها للنظام السابق، وتفويضها لقوى جديدة لقيادة التحول.
لماذا تظهر؟ وما الحاجة إليها؟
الشرعية الثورية تظهر حين تنهار كل شرعيات الدولة السابقة:
عندما يصبح الدستور أداة طغيان.
حين تكون البرلمانات ديكورًا فارغًا.
عندما تتحول المحاكم إلى أذرع قمع.
وعندما يُختزل الوطن في شخص الحاكم.
في هذه الحالة، تسقط شرعية القانون، وتعلو شرعية الإرادة الشعبية. ولهذا، تقبل الشعوب بأن تحكمها لجان الثورة، أو المجالس الانتقالية، أو إعلان دستوري مؤقت.
المشكلة: من يمنح التفويض؟ ومن يراقب؟
في لحظة الثورة، الجميع يهتف باسم الشعب. لكن، من هو هذا “الشعب”؟ ومن يمثل صوته فعليًا؟
هنا تبدأ الإشكالية: الشرعية الثورية تفتقر إلى أدوات المحاسبة والرقابة. فهي تفويض غير مكتوب، غير مقنن، وغير قابل للتجديد أو السحب.
وهكذا، قد تتحول من شرعية للإنقاذ إلى أداة للإقصاء. ومن وسيلة لتحرير الشعب، إلى أداة لاحتكار تمثيله.
خطر التحول إلى ثورة مستدامة
الثورات ليست دولًا. وإذا طال أمدها دون انتقال إلى شرعية دستورية، فإنها تتحول إلى ثورة دائمة تُفقد الدولة استقرارها.
لقد رأينا ذلك في تجارب متعددة:
حيث بقيت “المجالس الثورية” تحكم لسنوات.
واستُخدمت لغة الثورة لتبرير تغييب المؤسسات.
وأُبعد كل من لم يكن “من قلب الثورة” حتى لو كان كفؤًا ونزيهًا.
والنتيجة؟ دولة بلا مؤسسات، وثوار بلا بوصلة.
متى تنتهي صلاحية الشرعية الثورية؟
الشرعية الثورية، بحكم تعريفها، مؤقتة وزائلة. صلاحيتها تنتهي حين تتوفر الشروط التالية:
إقرار دستور دائم أو انتقالي بتوافق وطني.
إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
إنشاء مؤسسات رقابية وتشريعية مستقلة.
تحويل السلطة من “الشرعية الثورية” إلى “الشرعية القانونية المنتخبة”.
ما لم يحدث ذلك، فإن الشرعية الثورية تتحول من مَخرج إلى مأزق.
دعوة للتواضع الثوري
الثوار الحقيقيون ليسوا من يتشبثون بالمناصب باسم التضحيات، بل من يدركون أن أعظم وفاء للثورة هو تسليمها لدولة قوية وعادلة.
أن نغادر المشهد ونحن نعلم أننا مهدنا الطريق، لا أننا احتكرناه.
في المقال القادم، سنتحدث عن الوجه الآخر:
“الشرعية الدستورية: طريق بناء الدولة”
كيف ننتقل إليها؟ وما شروطها؟ ولماذا هي الضمان الوحيد لبقاء الدولة والثورة معًا؟

(“هذا المقال جزء من سلسلة بعنوان: لابُد من الخروج من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب