المندرة نيوز

البعد الاخر_ مصعب بريــر يكتب،، لينا يعقوب بين المهنية والخيانة الوطنية: قرار يهزّ حرية الصحافة في السودان ..!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
أعاد قرار السلطات السودانية بسحب ترخيص مديرة مكتب قناتي «العربية» و«الحدث»، لينا يعقوب، النقاش حول حدود حرية الإعلام في بلد يعيش أزمات سياسية وحربًا أهلية وانقسامات اجتماعية حادة. القرار لم يكن مجرد إجراء إداري، بل تحوَّل إلى حدث سياسي واجتماعي كبير يعكس حجم التحشيد والتحشيد المضاد تجاه قرارات السلطات وان جاءت بتبريرات منطقية فى وطن يشهد أبشع واقذر تطبيقات حروب الجيل السادس.

أولاً: توظيف الإعلام في الصراع السياسي
منذ اندلاع الحرب وتدهور الوضع السياسي، أصبح الإعلام لاعبًا أساسيًا في تشكيل الرأي العام وصياغة السرديات. قرار سحب الترخيص يرسل إشارة بأن الحكومة الانتقالية أو الأجهزة الأمنية تريد ضبط الخطاب الإعلامي، وتضييق الهامش أمام ما تراه «تجاوزات» أو «إفشاء أسرار». هذه الرسالة تؤثر على كل المراسلين المحليين والأجانب، وتجعلهم أكثر حذرًا وربما أقل جرأة في تغطية القضايا الشائكة.

لكن في المقابل، أدّى القرار إلى زيادة الاهتمام العالمي بعمل يعقوب، وإلى تعاطف إعلامي واسع معها، وهو ما أضعف «الرسالة الردعية» التي أرادت السلطات إيصالها. وهكذا فإن الأثر السياسي المباشر كان مزدوجًا: ردع داخلي لكن دعاية سلبية خارجية.

ثانيًا: الاستقطاب داخل المجتمع السوداني
القرار عمَّق الاستقطاب القائم أصلًا بين تيارات سياسية واجتماعية مختلفة. فريق يرى أن يعقوب ضحية لانتهاك حرية الصحافة، ويعتبر سحب ترخيصها علامة على «عودة القبضة الأمنية» وهو امر يسنده طيف واسع من ضحايا الفوضى التى صاحبت الحرب وأثناء بدايات الفترة الانتقالية. وفريق آخر يرى أنها تجاوزت المهنية، وأن نشر معلومات حساسة عن مكان إقامة الرئيس السابق يُعدّ «خيانة وطنية» أو على الأقل «تهورًا».

هذا الانقسام تجلى على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل صارخ، حيث تحولت القضية إلى مادة سجالية حول تعريف الوطنية والمهنية، ما يعكس أزمة الثقة العميقة في مؤسسات الدولة من جهة، وفي الإعلام من جهة أخرى.

ثالثًا: أثر القرار على صورة السودان خارجيًا
من الناحية الدبلوماسية، أثار القرار انتقادات من منظمات حقوقية وإعلامية دولية تعتبر حرية الصحافة مؤشرًا على التحول الديمقراطي. في وقت يسعى السودان فيه إلى تحسين علاقاته الدولية وجذب الدعم الإنساني والاقتصادي، مثل هذه القرارات قد ترسل إشارات سلبية إلى المانحين والشركاء، وتضعف رواية الحكومة عن احترامها للحقوق والحريات.

تاريخيًا، كثير من الدول التي تفرض قيودًا على الإعلام في أوقات الأزمات تواجه لاحقًا صعوبة في استعادة ثقة الإعلام الدولي والجمهور الخارجي. لذلك فإن تكلفة القرار قد لا تظهر فورًا، لكنها تتراكم في شكل سمعة متدهورة وصورة غير مستقرة.

رابعًا: تأثير القرار على الوعي الجمعي والثقافة السياسية
في مجتمع يتلمس طريقه نحو دولة مدنية ديمقراطية، مثل هذه القرارات تحمل رمزية كبيرة. فهي قد تدفع الإعلاميين لمزيد من الرقابة الذاتية، وهو ما يحدّ من دور الإعلام في كشف الفساد والانتهاكات. في المقابل، يمكن أن تخلق مقاومة مدنية أو مهنية أقوى، حيث تتوحد النقابات الصحفية ومؤسسات المجتمع المدني في الدفاع عن حرية الصحافة.

هذه الموجات المتقابلة — الخوف مقابل المقاومة — تشكل الثقافة السياسية للمستقبل. فكل قرار تقييدي اليوم يُكتب في الذاكرة الجماعية، ويصبح لاحقًا قضية سياسية تستخدمها المعارضة في الانتخابات أو الحوارات الوطنية.

خامسًا: ما بين المهنية والخيانة الوطنية – إعادة تعريف المفاهيم
القضية كشفت عن ضبابية في تعريف «الوطنية» و«الخيانة» في السياق الإعلامي. هل الوطنية تعني حماية صورة الدولة حتى على حساب الشفافية؟ أم أنها تعني كشف ما يدور خلف الكواليس ليعرف الشعب الحقيقة؟ هذا الجدل بحد ذاته علامة على حيوية المجتمع لكنه أيضًا دليل على هشاشة الإجماع الوطني.

بعد اخير :
خلاصة القول، قرار سحب ترخيص لينا يعقوب تجاوز حدود كونه مسألة شخصية أو إدارية، ليصبح مرآة للانقسام السياسي والاجتماعي في السودان، واختبارًا حقيقيًا لمدى احترام السلطة لحرية الصحافة. على المدى الطويل، لن يُقاس أثر القرار بعدد الأيام التي منعت فيها يعقوب من العمل، بل بمدى قدرة السودان على استعادة الثقة بين الدولة والإعلام والجمهور، وإعادة تعريف الوطنية بما ينسجم مع دولة القانون والشفافية.. واخيراً، لا تختزل قضية لينا يعقوب في شخص أو قناة بعينها، بل هي مرآة لصراع أوسع بين دولة تبحث عن الاستقرار وإعلام يسعى لقول الحقيقة. إن كان الهدف بناء وطن يسوده القانون والشفافية، فلا بد أن تكون حرية الصحافة جزءًا من الحل لا ضحية للأزمات. السودان اليوم أمام مفترق طرق: إمّا أن يحمي حق مواطنيه في المعرفة، أو أن يرسّخ سياسة التكميم ويخسر ثقة شعبه والعالم … و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمي

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *