الخرطوم=^المندرة نيوز^
يُعد مشروع “الخرطوم خالية من الملاريا” (Khartoum Malaria Free Initiative) من أبرز المبادرات الصحية الوقائية في السودان والمنطقة، إذ مثّل تحولاً نوعياً في التفكير نحو مكافحة الملاريا بأسلوب علمي متكامل ومستدام. انطلقت الفكرة في مطلع الألفية الجديدة، حين بدأت وزارة الصحة بولاية الخرطوم بدعم من منظمة الصحة العالمية وشركاء التنمية، في تنفيذ خطة استراتيجية تهدف إلى تقليل معدلات الإصابة إلى أدنى مستوى ممكن وصولاً إلى القضاء الكامل على المرض.
ارتكز المشروع على منهج المكافحة المتكاملة للناقل، الذي يجمع بين إجراءات بيئية وصحية وتوعوية في منظومة واحدة. شمل ذلك عمليات الرش الدوري بالمبيدات في المناطق عالية الخطورة، وتوزيع الناموسيات المعالجة بالمبيد على الأسر، وتجفيف البرك والمستنقعات التي تشكل بيئات خصبة لتكاثر البعوض. كما أدخلت الولاية نظاماً حديثاً للرصد الوبائي الإلكتروني مكّن من المتابعة اللحظية للحالات والاستجابة السريعة لأي بؤر ناشئة، ما أدى إلى انخفاض معدلات الإصابة بالملاريا بنسبة قاربت 70% خلال سنوات قليلة.
ومن الجوانب العلمية المضيئة في التجربة، أن المشروع اعتمد الاستهداف الجغرافي الدقيق، حيث جرى تحديد أكثر الأحياء عرضة للإصابة عبر نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، ما ساعد في توجيه الموارد المحدودة بكفاءة عالية. كما أولت المبادرة اهتماماً كبيراً بالتثقيف الصحي وتغيير السلوك المجتمعي، انطلاقاً من مبدأ أن الوقاية تبدأ من وعي المواطن.
تجارب دولية مماثلة دعمت توجه المشروع السوداني، فقد طبقت تنزانيا ورواندا برامج مشابهة اعتمدت على إشراك المجتمعات المحلية في رصد بؤر البعوض، مما أسهم في خفض نسب الإصابة بأكثر من النصف. كما نجحت سريلانكا في إعلان نفسها خالية من الملاريا عام 2016 بفضل التزام سياسي قوي وتنسيق مؤسسي محكم، وهي تجربة تلهم السودان في طريقه نحو تحقيق الهدف ذاته.
ومع ذلك، لم تخلُ تجربة الخرطوم من التحديات، أبرزها ضعف التمويل المستدام، وغياب التكامل بين القطاعات البيئية والصحية، إضافة إلى التوسع العمراني غير المنضبط الذي أوجد بيئات جديدة لتوالد البعوض. كما أثّرت الأزمات الاقتصادية وانقطاع الإمدادات الدوائية على استمرارية بعض الأنشطة الميدانية. لكن رغم هذه العقبات، ظلت المبادرة صامدة بفضل كفاءة الكوادر الصحية وحماس المجتمعات المحلية.
بعد اخير :
خلاصة القول، إن مشروع “الخرطوم خالية من الملاريا” ليس مجرد حملة صحية عابرة، بل رؤية استراتيجية تُجسد قدرة السودان على تحويل التحديات إلى نجاحات مبهرة وصلت إلى تكريم ولاية الخرطوم كأنجح مبادرة لدحر الملاريا بواسطة منظمة الصحة العالمية. إن المحافظة على هذه الإنجازات العظيمة تتطلب التزاماً حكومياً متجدداً، وشراكات بحثية ومجتمعية أوسع، ودعماً دولياً مستمراً.. واخيراً، فإذا استمر هذا الزخم العلمي والوطني، فإن الخرطوم قد تصبح بحق أول عاصمة إفريقية تنال شرف إعلانها مدينة خالية تماماً من الملاريا — إنجاز يستحق أن يُخلّد في سجل الصحة العالمية، ليبقى السؤال، هل يتذكر القائمين على ولاية الخرطوم هذا المشروع العملاق ام تم وأده ايضا ؟!… و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الأحد (5 اكتوبر 2025م)