المندرة نيوز

د. عبدالعزيز الزبير باشا يكتب.. تحذير استراتيجي : “بروميدييشن” وأشباهها… البوابة الخلفية لاختراق القرار الوطني

الخرطوم=^المندرة نيوز^
في الوقت الذي يخوض فيه السودان “معركة وجودية” ضد العدوان الممنهج الذي شنّته ميليشيا التمرد التي كانت تُعرف بما يُسمى بـ”الدعم السريع”، والتي حُلّت بمرسومٍ دستوريٍّ واضح، تطل علينا منظمة جديدة باسم “ *بروميدييشن* ” تحت لافتة «الحوار السوداني السوداني» في بورتسودان، لتقدّم نفسها كوسيط « *محايد* » يسعى إلى السلام. لكنّ الحقيقة أخطر بكثير من هذا الغلاف الناعم.

هذه المنظمة، التي أقرت بنفسها أن تمويلها يأتي من الخارجية السويسرية، ليست مجرد فاعل إنساني كما تدّعي. فسويسرا – لمن يعرف طبيعة عملها الدبلوماسي – لا تتحرك في ملف حساس مثل السودان إلا بالنيابة عن حلفائها الأوروبيين والأمريكيين. وبذلك، فإن دخول بروميدييشن إلى المشهد السياسي السوداني يعني عملياً فتح الباب لوكلاء الغرب ليتدخلوا من جديد، ولكن هذه المرة بثوب “ *الوسيط المدني* ” لا بثوب المبعوث الدولي.

الخطورة تتضاعف حين نتذكّر أن أحد المتحدثين باسم الجناح السياسي لتلك الميليشيا المتمردة كان قد صرّح على شاشة الجزيرة بأن هذه المنظمة قدّمت دعماً مالياً لأنشطتهم. وهذه ليست زلة لسان؛ بل اعتراف صريح بوجود قنوات تمويل تعمل من تحت الطاولة تحت شعار “ *التنمية والسلام* ”.

من يتتبع سجل المنظمات غير الحكومية في إفريقيا والشرق الأوسط خلال العقدين الأخيرين يعرف أن هذه الكيانات لم تكن يوماً أدوات سلام، بل أدوات إعادة هندسة سياسية. فباسم “ *التقريب بين الأطراف* ”، يجري إضعاف الدولة الوطنية وتمهيد الأرض لمشاريع “ *إدارة انتقالية دائمة* ” تضمن للغرب بقاء نفوذه في قلب المؤسسات السودانية.

إنّ ما يحدث اليوم في بورتسودان ليس بريئاً. فالحديث عن “ *حوار سوداني سوداني* ” تحت رعاية منظمة أجنبية، بتمويل خارجي، هو تناقض صارخ مع مبدأ السيادة الوطنية. الحوار الوطني الحقيقي لا يحتاج إلى وصاية سويسرية ولا إلى وسطاء يعملون من فنادق خمس نجوم، بل إلى إرادة سودانية خالصة تحت مظلة مؤسسات الدولة الشرعية، وعلى رأسها القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، المدعومة من الشعب.

لقد قالها الناظر ترك بوضوح في ورشة الكتلة الديمقراطية:

« *أي مبادرة لوساطة لا تدين التمرد على جرائمه لن تجد آذاناً صاغية من أهل السودان* ».

وهي كلمة حق. لأن أي مبادرة لا تبدأ من إدانة العدوان، وإعادة الاعتبار للدولة، واحترام تضحيات الجيش والشعب، فهي ليست مبادرة سلام بل خطة اختراق.

وعلى النخب السياسية في الكتلة الديمقراطية أن تدرك أن المنظمات التي تأتي بدعم خارجي لا تعمل لوجه الله. فكل خطوة تنسّق مع جهات كهذه تمنحها شرعية الوجود، وتفتح الباب للتدخل السويسري – الذي سيكون مجرد واجهة لجهات غربية أوسع نطاقاً، تماماً كما فعلت منظمات أخرى في ليبيا وسوريا والعراق تحت لافتة “الحوار الوطني”.

إنّ من يقبل بوساطة “بروميدييشن” اليوم، سيجد نفسه غداً يتلقى التعليمات من مكتب في جنيف، لا من مجلس الوزراء في بورتسودان.

لذلك، على الدولة السودانية أن تتحرك بحزم لإعادة ضبط المشهد المدني والسياسي، وإلزام أي جهة ترغب في العمل بداخل السودان – مهما كانت لافتتها – بالتنسيق عبر الأجهزة الرسمية. لأن ترك الحبل على الغارب أمام منظمات كهذه يعني فتح الباب لسيناريوهات تقسيم ناعمة، واختراق طويل المدى للمجتمع السياسي السوداني.

السودان لا يحتاج إلى وسيط، بل إلى وعي.
ولا يحتاج إلى “بروميدييشن”، بل إلى إرادة وطنية صلبة تحفظ السيادة وتغلق منافذ التسلل الأجنبي تحت أي غطاء كان…..

*وطن و مؤسسات…*
*السودان أولا و أخيراً….*
*د. عبدالعزيز الزبير باشا…*

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *