الخرطوم=^المندرة نيوز^
يمثل سؤال “هل تستطيع إثيوبيا إغراق السودان؟” أكثر من مجرد طرح إعلامي مثير، إذ يرتبط مباشرة بأمن السودان المائي والبيئي والاقتصادي، في ظل تطورات متسارعة حول سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD)، الذي غيّر موازين القوى الهيدرولوجية في حوض النيل الأزرق. وبينما يؤكد خبراء سودانيون ومصريون أن السد أصبح سلاحًا مائيًا في يد أديس أبابا، تصر إثيوبيا على أنه مشروع تنموي يخدم مصالح الإقليم ويحدّ من الفيضانات. وبين السرديتين تكمن حقائق علمية وسياسية معقدة تستوجب قراءة متأنية.
تشير الوقائع الميدانية الأخيرة في السودان إلى أن فيضانات سبتمبر 2025 لم تكن كغيرها. فقد سجل نهر النيل الأبيض زيادة غير مسبوقة في إيراداته منذ عام 2020، وغمرت المياه مساحات زراعية شاسعة في ست ولايات، فيما ارتفعت مناسيب النيل الأزرق لمستويات خطيرة. ووفقًا للدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، فإن إثيوبيا قامت بتصريف كميات هائلة من المياه بلغت نحو 750 مليون متر مكعب يوميًا عبر أربع بوابات طوارئ، بينما كانت الأمطار عند السد لا تتجاوز 300 مليون متر مكعب يوميًا. هذا الفارق الكبير يشير إلى أن 450 مليون متر مكعب جاءت من مخزون البحيرة، ما يعكس خللًا في إدارة التشغيل.
تلك الكميات الضخمة اتجهت مباشرة نحو سد الروصيرص، الذي لا تتجاوز سعته التخزينية 7 مليارات متر مكعب، مقارنة بسعة سد النهضة التي تتجاوز 74 مليار متر مكعب. ومع ارتفاع المنسوب، اقتربت المياه من تجاوز حاجز الروصيرص، مما دفع بعض الخبراء للتحذير من “كارثة وشيكة” كان من الممكن أن تغرق مدن النيل الأزرق والخرطوم. صحيح أن إثيوبيا خفّضت لاحقًا التصريف إلى 400 مليون متر مكعب يوميًا، لكن ذلك لا ينفي هشاشة الموقف، إذ إن فتح عدد أكبر من بوابات السد (21 بوابة في المجمل) يمكن نظريًا أن يُطلق مليارات الأمتار المكعبة في وقت وجيز، وهو ما يمنح أديس أبابا قدرة تقنية – وإن كانت غير مرجّحة سياسيًا – على إغراق السودان جزئيًا إذا حدث خلل أو تصرف غير منسق.
في المقابل، ترفض إثيوبيا هذه الرواية بشكل قاطع. ففي بيان رسمي بتاريخ 4 أكتوبر 2025، نفت الحكومة الإثيوبية “الافتراءات المصرية والسودانية” حسب زعمها، مؤكدة أن معدلات الإطلاق من السد في أغسطس وسبتمبر كانت أقل من المتوسط التاريخي للفيضانات قبل بناء السد، إذ بلغت 154.7 و472 مليون متر مكعب يوميًا على التوالي، مقابل أكثر من 800 مليون قبل إنشاء السد. وأشارت إلى أن سد النهضة قلل فعليًا من حجم الفيضانات، ولولاه لكان السودان واجه دمارًا أكبر بسبب الأمطار القياسية على الهضبة الإثيوبية. كما نسبت الحكومة أسباب الكارثة الأخيرة إلى فيضانات النيل الأبيض والتغير المناخي وضعف البنية التحتية السودانية، معتبرة أن مصر تحاول توظيف الكارثة لتشويه المشروع.
منطقياً، لا يمكن القول إن إثيوبيا تسعى فعليًا لإغراق السودان، إذ إن ذلك يعني تدمير علاقات الجوار وتقويض مشروعها الاستراتيجي نفسه. إلا أن الواقع الهندسي يؤكد أن التحكم في تدفقات النيل الأزرق أصبح بالكامل بيدها، وأن أي خلل فني أو قرار سياسي غير منسق يمكن أن يعرّض السودان لمخاطر جسيمة، خاصة في ظل ضعف منظومات الإنذار المبكر وقدم البنية التحتية للسدود السودانية.
إن الخطر الحقيقي لا يكمن في نية الإغراق، بل في غياب اتفاق فني ملزم ينظم التشغيل المشترك ويمنع القرارات الأحادية. فتشغيل سد النهضة دون تنسيق، سواء بزيادة التصريف أو تأخيره، قد يتسبب في فيضانات مدمرة أو جفاف قاسٍ في الحقول السودانية.
بعد اخير :
خلاصة القول، الواقع يؤكد إن إثيوبيا قادرة فنيًا على إحداث فيضانات كارثية في السودان، لكنها غير قادرة سياسيًا أو أخلاقيًا على تحمل تبعات ذلك. ومع ذلك، فإن استمرار الوضع الحالي دون اتفاق ثلاثي شامل بين أديس أبابا والخرطوم والقاهرة يجعل السودان في موقع هش، رهين قرارات تصدر من خارج حدوده. واخيراً، إن العودة إلى طاولة المفاوضات ليست خيارًا دبلوماسيًا الان فحسب، بل ضرورة وجودية تضمن ألا يتحول سد النهضة من مشروع للتنمية إلى سيفٍ مائيٍ معلّق فوق رقاب الشعوب… و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الاثنين (6 اكتوبر 2025م)