الخرطوم=^المندرة نيوز^
في تطور قضائي غير مسبوق، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إدانتها للقائد السابق في ميليشيا الجنجويد، علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم علي كوشيب، بتهم متعددة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت خلال النزاع المسلح في إقليم دارفور بين عامي 2003 و2004. الإدانة، التي صدرت يوم الاثنين السادس من أكتوبر، شملت قائمة طويلة من الانتهاكات، من بينها القتل العمد والاغتصاب والاضطهاد، ما يعكس حجم الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين في غرب السودان. ووفقاً لمكتب المدعي العام، فإن العقوبة المحتملة قد تصل إلى السجن مدى الحياة، في انتظار جلسة النطق بالحكم المقررة في السابع عشر من نوفمبر المقبل.
المحامي الرئيس في مكتب الادعاء، جوليان نيكولز، وصف المحاكمة بأنها خطوة جوهرية في مسار العدالة الدولية، مؤكداً أن المحكمة الجنائية أقرت بفظاعة الجرائم المرتكبة في دارفور، وأن العدالة لا تكتمل طالما لا يزال بعض المتهمين الرئيسيين طلقاء. وفي مؤتمر صحفي عقدته المحكمة عبر الوسائط، شدد نيكولز على أن مكتب المدعي العام سيواصل جهوده حتى يتم تقديم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ووزير داخليته أحمد هارون، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، إلى العدالة، باعتبارهم من أبرز المطلوبين في ملف دارفور .
في رد على سؤال حول تواصل المحكمة الجنائية الدولية مع حكومة بورتسودان بشأن تسليم بقية المطلوبين، أوضح داهيرو سانت-آنا، مستشار التعاون الدولي في مكتب الادعاء، أن التواصل مستمر منذ عام 2021، بهدف تسلم المشتبه بهم. كما أشار إلى أن التحقيقات المتعلقة بجرائم 15 أبريل بدأت منذ اندلاعها ولا تزال جارية، مؤكداً أن سلطة المحكمة القضائية تشمل المتورطين في جرائم دارفور حتى خارج الإقليم، ما يعكس اتساع نطاق الملاحقات القضائية .
مكتب المدعي العام كشف أن العقوبة المتوقعة بحق كوشيب قد تصل إلى السجن مدى الحياة، بالنظر إلى إدانته في جميع التهم، والتي تشمل قائمة طويلة من الجرائم المروعة. وأوضح أن استعراض الأدلة كشف عن وجود تنسيق ممنهج في ارتكاب الانتهاكات، مشدداً على أن حجم الجرائم لا يمكن أن يكون من تنفيذ شخص واحد فقط. ورغم ذلك، امتنع المكتب عن الإفصاح عن أوامر القبض التي قد تصدر بحق متهمين آخرين مرتبطين بالقضية، في انتظار تطورات لاحقة .
فيما يتعلق بمكان تنفيذ العقوبة، أكد ممثل الادعاء أن كوشيب لن يُسجن في هولندا، حيث قضى فترة ما قبل المحاكمة، بل سيتم نقله إلى أحد السجون في الدول الموقعة على ميثاق روما. هذا الإجراء يأتي ضمن ترتيبات المحكمة الجنائية الدولية لتوزيع تنفيذ الأحكام بين الدول الأعضاء، بما يضمن استقلالية العملية القضائية واحترام المعايير الدولية .
محامي كوشيب، سيريل لاوتشي، أعلن بشكل قاطع أنه لن يتولى الدفاع عن أي من المطلوبين الآخرين لدى المحكمة، بمن فيهم عمر البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، مشيراً إلى أن الجرائم التي ارتُكبت في دارفور لا يمكن الدفاع عنها. وأضاف أن موقف موكله كان إنكار هويته كعلي كوشيب، وأنه لم يتخذ بعد قراراً بشأن الطعن في الحكم، الذي لم يُشرح له بالكامل بسبب صدوره باللغة الإنجليزية. وأوضح أن إمكانية تقديم أدلة جديدة في حال الطعن ستكون محدودة، وأن الدفاع سيركز على نفي تورط موكله في الأحداث، دون الاعتراض على وقوع الانتهاكات نفسها .
لاوتشي أشار إلى صعوبة تحديد هوية الجنجويد، واصفاً الصورة النمطية عنهم بأنها مشوشة، وقال إن ما تمكن من توضيحه أمام المحكمة هو أن الجنجويد يتكونون من ثلاث مجموعات: الدفاع الشعبي، وحرس الحدود، والمليشيات القبلية التي كانت تعمل تحت إمرة البشير. وأكد أن موكله لم يكن جزءاً من أي من هذه المكونات، ما يُشكل محوراً أساسياً في استراتيجية الدفاع أمام المحكمة .
المحامي لاوتشي اعتبر أن إصدار حكم في قضية دارفور من قبل المحكمة الجنائية الدولية يُعد خطوة محورية في عمل المحكمة، لما تحمله من دلالات قانونية وسياسية على المستوى الدولي. من جانبها، وصفت الممثلة القانونية للضحايا، ناتالي فون ويستينغهاوزن، الحكم بأنه نقطة في بحر الجرائم التي ارتُكبت بحق مجتمع الفور، لكنه يمنح الأمل للضحايا في أن تكون هناك ملاحقات قضائية تؤدي إلى القبض على بقية المطلوبين .
ويستينغهاوزن أوضحت أنها تمكنت من عرض جلسة الحكم في القرى التي تعرضت للهجمات، مثل كتم ومنديسي ومكجر ودليج، إضافة إلى أحد المعسكرات في دولة تشاد، وذلك عبر مساعدات ميدانية. وأكدت أنها تحدثت شخصياً إلى عدد كبير من الضحايا الذين عبّروا عن ارتياحهم للحكم، رغم حذرهم في التوقعات بسبب احتمال استئناف القرار وعدم صدور العقوبة النهائية بعد. وأضافت أن لديهم شعوراً بالأمل وتوقعات إيجابية بشأن المستقبل القضائي للقضية .
وفيما يتعلق بجبر الضرر، أكدت ويستينغهاوزن أن المحكمة تمر بمرحلة صعبة، لكنها طمأنت الضحايا بأن إجراءات التعويض تتم عبر مسار قضائي منفصل، وأن الأموال تُصرف من الصندوق الائتماني للمجني عليهم في المجتمعات المتأثرة. وأوضحت أن عدد المشاركين في المحاكمة بلغ 1592 شخصاً، مشددة على أن هذا الرقم لا يُمثل جميع الضحايا بشكل مباشر أو غير مباشر. وأشارت إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد العودة إلى المجتمعات المتضررة لتحديد عدد الأشخاص الذين تأثروا بالهجمات، مؤكدة أن كل من عاش تلك الفترة يمكن أن يستفيد من إجراءات جبر الضرر، التي تختلف أشكالها حسب احتياجات الضحايا، بين الدعم المالي الفوري، أو المساعدة الطبية، أو تغطية رسوم التعليم لأبنائهم.