الخرطوم=^المندرة نيوز^
في مشهد يتكرر كل عام، تثبت المنظومة الدولية لحقوق الإنسان أنها ليست سوى أداة سياسية في يد القوى الغربية، تُحرّكها مصالحها وتُعميها الحسابات الضيقة عن جوهر العدالة. ففي السادس من أكتوبر 2025، صادق مجلس حقوق الإنسان في جنيف على القرار البريطاني رقم A/HRC/60/L18 القاضي بتمديد ولاية لجنة تقصي الحقائق بشأن السودان لعام إضافي، متجاهلاً الحقائق الميدانية، ومتعامياً عن جذور الأزمة وداعميها الحقيقيين. قرارٌ جاء كما وصفه السفير حسن حامد: “بقوة القوة لا بقوة الحق”، فكان أشبه بصفعة جديدة على وجه العدالة الدولية التي فقدت توازنها منذ زمن بعيد.
لقد جسّد السفير حسن حامد صوت السودان الحر في قصر الأمم، حين واجه المشروع البريطاني بشجاعة مهنية ووطنية نادرة، مُفنّدًا تناقضاته الصارخة. تساءل الرجل بوضوحٍ موجع: كيف يمكن لقرارٍ يدّعي حماية حقوق الإنسان أن يتغاضى عن ذكر دولة الإمارات التي تمد مليشيا الدعم السريع بالسلاح والمرتزقة؟ وكيف يُسوّى بين جيشٍ وطني يدافع عن تراب بلاده ومليشيا إرهابية ارتكبت أبشع الجرائم ضد المدنيين؟ تساؤلاته تلك جعلت قاعة المجلس تصمت، ووجوه السفراء تتجمد أمام مرآة نفاقهم.
إن ما قاله حسن حامد ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل هو إدانة صريحة لنظامٍ دوليٍّ يتاجر بشعارات العدالة، ويكيل بمكيالين في قضايا الشعوب. فالقرار تجاهل تمامًا تقارير الأمم المتحدة نفسها التي وثّقت حصار مليشيا الدعم السريع لمدينة الفاشر ومنعها المساعدات الإنسانية، وتغاضى عن فشلها في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2736. بل إن القرار أشار إلى “القانون الدولي والمحكمة الجنائية الدولية”، دون أن يجرؤ على تسمية الممولين والمنتهكين الحقيقيين، لأنهم ببساطة من دول النواة الغربية وحلفائهم الخليجيين.
تقرير د. إيناس محمد أحمد كشف بوضوح تناقض الموقف الغربي، إذ صوّتت 24 دولة لصالح القرار، بينها دولة أفريقية واحدة فقط، فيما رفضته 11 دولة من بينها السودان، الصين، المغرب، وقطر، وامتنعت 12 دولة أخرى. هذا التوزيع يُظهر بجلاء أن العدالة لم تكن الهدف، بل محاصرة السودان سياسيًا وإضعاف جيشه بعد أن حقق انتصارات ميدانية ضد المليشيا. وكلما تقدّم الجيش في الميدان، اشتدّت الضغوط في قاعات جنيف ونيويورك، وكأن المجتمع الدولي لا يحتمل رؤية دولة أفريقية تصمد أمام مشروع تفكيكها.
لقد أصبح واضحًا أن مفهوم “حقوق الإنسان” لدى الغرب هو سلاح ناعم لتحقيق أهداف قاسية، وأن بعثات التقصي التي تُنفق عليها ملايين الدولارات ليست إلا أدوات مراقبة وانتقائية. فلو كانت الأمم المتحدة جادّة في حماية المدنيين، لدعمت القضاء الوطني السوداني بدلاً من التشكيك فيه، ولأدرجت الدعم السريع كمنظمة إرهابية بدلاً من مساواتها بجيش الدولة.
بعد اخير :
خلاصة القول، العدالة الحقيقية لا تُبنى على تقارير انتقائية ولا تُشترى بأموال النفط. والإنسان السوداني، الذي صمد في وجه الحرب والحصار، لا ينتظر شهادة من مجلسٍ أعور يرى بعين واحدة. فحقوقه ليست هبة من الغرب، بل حقٌ يكفله له نضاله الطويل وتضحيات جيشه وشعبه.. واخيراً، إن ما حدث في جنيف لم يكن مجرد معركة دبلوماسية، بل لحظة انكشافٍ كاملة لوجه العدالة الدولية العرجاء. ومع ذلك، فإن في السودان رجالًا كسفرائه الأحرار، يواجهون الزيف بالحجة، والابتزاز بالكرامة. ومهما علت الأصوات في قاعات الأمم، سيبقى صوت السودان الحق أقوى من كل القرارات المسيسة. اللهم انصر الحق، واهدِ العالم إلى عدالةٍ لا تُقاس بالمصالح، بل بميزان الضمير الإنساني… و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الجمعة (10 اكتوبر 2025م)