المندرة نيوز

استطلاع: 92 % من السودانيين يتهمون ” اطراف داخلية” باضعاف علاقات السودان الخارجية بفترة الحرب

الخرطوم=^المندرة نيوز^
في عالمٍ تتقاطع فيه المصالح وتتصارع فيه الإرادات، لم تعد الدول قادرة على العيش في عزلةٍ أو الاتكاء على الشعارات. فالمعادلات الدولية اليوم تُصاغ بالتحالفات، لا بالعواطف؛ وبموازين القوة والمصالح، لا بالنيات الحسنة. لقد غدت التحالفات العسكرية والسياسية من أبرز أدوات العلاقات الدولية، إذ تسعى الدول ـ صغيرها وكبيرها ـ إلى بناء شراكاتٍ تضمن أمنها القومي، وتمنحها موطئ قدمٍ أكثر تأثيرًا واحترامًا في محيطها الإقليمي والعالمي.

وفي هذا السياق يقف السودان عند مفترقٍ حاسم، يحاول فيه الموازنة بين حاجته لبناء تحالفاتٍ قويةٍ تسانده في مواجهة أزماته، وبين نزوعه الأصيل نحو الاستقلالية وصون السيادة الوطنية. وقد برزت هذه المعادلة بأوضح صورها خلال حرب الكرامة، حيث تداخلت المواقف الخارجية وتشابكت خيوط المصالح مع مسار الصراع الداخلي، فغدا المشهد السوداني ساحة اختبارٍ لصدق التحالفات ونوايا الحلفاء.

ومن هذا المنطلق، أجرى مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية ودراسات الرأي العام استطلاعًا واسع النطاق لقياس توجهات الرأي العام السوداني حيال المواقف الخارجية والتحالفات الدولية. شارك فيه (69,468) مشاركًا من مختلف ولايات السودان، ومن تجمعات السودانيين في مصر، وجنوب السودان، وليبيا، وكينيا، وأوغندا، ودول الخليج العربي، وشرق آسيا، ودول الاتحاد الأوروبي، وأمريكا الشمالية، مما أضفى على نتائجه تنوعًا وتمثيلًا واقعيًا واسعًا…

وهدف الاستطلاع إلى فهم كيف يرى السودانيون خريطة التحالفات الراهنة، وإلى أي مدى يثقون بجدواها في حماية المصالح الوطنية، وتعزيز وحدة السودان واستقراره ومكانته الإقليمية والدولية.وقد جاءت الإجابات كما يلي…

1. طبيعة التدخل الخارجي في الحرب
أظهر المشاركون موقفًا واضحًا وحاسمًا تجاه طبيعة التدخلات الأجنبية في حرب الكرامة، إذ رأى 83.1% من المستجيبين أن هذا التدخل كان سلبيًا وضارًا بمصلحة السودان، مقابل 13.2% فقط اعتبروا أنه إيجابي ومفيد، بينما رأى 3.7% أنه لم يكن ذا أثر كبير. وتشير هذه النتائج إلى حالة رفض شعبي واسعة لأي تدخل أجنبي، مع شعور عام بأن القوى الخارجية ساهمت في تعقيد الأزمة وإطالة أمدها.

2. الدول الأقرب لدعم السودان بصورة إيجابية
فيما يتعلق بتحديد الدول التي يُنظر إليها كدول داعمة للسودان، جاءت روسيا (30.4%) والصين (30.4%) في مقدمة الدول التي يراها السودانيون الأكثر إيجابية في تعاملها مع البلاد. تلتها مصر بنسبة 13.4%، ثم السعودية (7.7%) وإريتريا (5%). أما بقية الدول — مثل قطر وتركيا والجزائر والإمارات وجنوب أفريقيا — فقد حصلت مجتمعة على 13.1%. ويعكس هذا الميل العام تزايد الثقة الشعبية في محور الشرق مقابل تراجع الثقة في الحلفاء التقليديين.

3. الدول التي كان تدخلها سلبيًا أو أطال أمد الحرب
أشارت نتائج الاستبيان بوضوح إلى تحميل الإمارات المسؤولية الكبرى عن إطالة أمد الحرب، إذ نالت نسبة 51% من الآراء بوصف تدخلها الأسوأ أثرًا. تلتها تشاد بنسبة 22.6%، ثم مصر (10.2%)، والولايات المتحدة (8%). كما رأت 8.2% من العينة أن دولًا مثل الاتحاد الأوروبي، كينيا، إسرائيل، جنوب السودان، إفريقيا الوسطى، وليبيا ساهمت مجتمعة في تأزيم الوضع. وتكشف هذه الأرقام عن شعور شعبي قوي بأن التدخلات الإقليمية والدولية لم تكن في صالح السودان.

4. الثقة في قدرة السودان على بناء تحالفات خارجية تحمي مصالحه
ورغم النظرة السلبية للتدخل الأجنبي، أبدى المشاركون قدراً من التفاؤل بقدرة السودان على بناء تحالفات فاعلة؛ إذ عبّر 47% عن ثقة عالية في تلك القدرة، مقابل 30.8% لديهم ثقة متوسطة، و22.2% فقط أبدوا ثقة ضعيفة. هذا التوزيع يعكس توازنًا بين التشاؤم الواقعي والأمل في استعادة السودان لفاعليته الدبلوماسية.

5. مدى العزلة الدولية التي تعيشها الحكومة السودانية
أظهر الاستبيان أن 55.1% من المشاركين يرون أن السودان يعيش عزلة جزئية أو نسبية، بينما أكد 16.2% أنه يعاني عزلة تامة، في حين رأى 28.8% أنه ليس معزولًا دوليًا. وتدل هذه النتائج على إدراك واسع لوجود تراجع في الحضور الدبلوماسي السوداني، لكنه لا يصل إلى حد القطيعة الكاملة مع المجتمع الدولي.

6. وجود أطراف داخلية تعمل على إضعاف علاقات السودان الخارجية
عبّر غالبية ساحقة من المشاركين (92.9%) عن قناعتهم بوجود جهات داخلية تسعى عمدًا لضرب علاقات السودان الخارجية وإبطال تحالفاته، مقابل 4.1% نفوا ذلك، و3% لم يبدوا رأيًا. ويؤكد هذا المؤشر أن التحديات الخارجية تتعقد بفعل الانقسامات الداخلية، ما يجعل الجبهة الدبلوماسية أكثر هشاشة.

7. أخطاء الحكومة الدبلوماسية في إدارة التحالفات الدولية
اعترف 46.7% من المشاركين بأن الحكومة ارتكبت أخطاء دبلوماسية واضحة أعاقت تقوية تحالفاتها الدولية، بينما قال 40.5% إن تلك الأخطاء حدثت إلى حد ما، و12.8% فقط نفوا وجودها. هذه النتيجة تُبرز إدراكًا عامًا بأن ضعف الأداء السياسي الخارجي كان من الأسباب الرئيسية لعزلة السودان وتراجع مكانته.

8. تأثير تردد السودان في توقيع اتفاقيات دفاع مشترك
رأى 66.7% من المستجيبين أن تردد السودان في توقيع اتفاقيات دفاع مشترك مع بعض الدول أضعف موقفه أثناء الحرب، في حين عارض 13.3% هذا الرأي، واعتبر 45.6% أن التأثير جزئي أو محدود. وتدل هذه الأرقام على أن أغلبية السودانيين تميل إلى خيار التحالفات الدفاعية الصريحة كضمانة للأمن القومي.

9. مدى حفظ التحالفات الحالية لسيادة السودان
اعتبر 28.8% من المشاركين أن التحالفات الراهنة تحفظ سيادة السودان، بينما رأى 45.6% أنها تحفظها إلى حد ما، في حين رأى 25.6% أنها لا تحفظ السيادة مطلقًا. ويعكس هذا التوزيع حذرًا شعبيًا واضحًا في تقييم العلاقات الخارجية الراهنة، مع قناعة بأن بعضها ما زال غير متكافئ أو مرتهنًا للضغوط الخارجية.

10. الخيار الأنسب لخدمة السودان مستقبلًا
أظهر المشاركون ميلاً واضحًا نحو محور روسيا/الصين الذي حاز 67.5% من التأييد، مقابل 26.4% فضلوا سياسة الحياد والانفتاح على الجميع. أما محور مصر/السعودية فقد نال 4.1% فقط، في حين لم يتجاوز تأييد محور الإمارات/أمريكا 2%. وتوضح هذه النتيجة رغبة قوية في التحول شرقًا بحثًا عن توازن جديد في العلاقات الخارجية.

11. مستقبل السودان في ظل التحالفات الخارجية الحالية
تفاءل 45.9% من المشاركين بأن السودان يسير نحو الاستقرار والوحدة، بينما توقّع 30.1% استقلالية أكبر في القرار الوطني. في المقابل، خشي 17.3% من التقسيم والضعف الداخلي، و6.6% من تبعية السودان للخارج. وتُظهر هذه النتائج رغبة شعبية في أن تقود التحالفات إلى بناء دولة مستقلة وقوية لا تابعة.

12. نصائح المشاركين لصنّاع القرار في السودان
في الإجابات المفتوحة، شدد معظم المشاركين على ضرورة تبنّي سياسة خارجية متوازنة تقوم على الندية، والمصالح المشتركة، وعدم الارتهان لأي محور، مع الدعوة إلى الاستفادة من الدعم الشرقي دون القطيعة مع الغرب، وتفعيل دبلوماسية فاعلة ومهنية تُعبّر عن صوت السودان لا عن مصالح الأطراف الخارجية

12/ نصائح المشاركين لصنّاع القرار في السودان
بشان السؤال المفتوح عن توصيات ونصائح المشاركين تجسّد الإجابات المشاركين قناعةً راسخةً بأن أي تعامل خارجي يجب أن يُبنى على مصلحة السودان وسيادته أولاً، وأن التحالفات فرصة وليست قَدَرًا. شدّد المشاركون على ضرورة تحديد محور قوي يدافع عن المصالح الوطنية، وترسيخ مفهوم السيادة كخط أحمر لا يُتنازل عنه. ورغم توجّه واضح لدى كثيرين نحو الشرق (روسيا، الصين، وتركيا)، فإن الرسالة الأساسية كانت: لا للمزايدة العاطفية ولا للارتهان—بل لقياس المنافع والمخاطر بمسطرة المصلحة الجادة والمستقبلية للسودان وشعبه. ودعوا إلى توحيد القرار الوطني، وتفعيل دور الكفاءات والخبراء في صنع السياسة الخارجية، وتسريع توقيع اتفاقيات دفاعية واستثمارية تخدم إعادة الإعمار وتعزز الأمن، مع إعطاء أولوية للاستثمارات التي ترفع من قدرة السودان الاقتصادية. كما وردت دعوات لاتباع سياسة توازن وحياد إيجابي تُمكن السودان من التعامل مع عدد من الشركاء (عربًا، آسيويين، وغربيين) دون الانحياز التام لمحور واحد، مع الاستفادة من موقع السودان الجيوـاستراتيجي وأوراق المصالح المتبادلة كوسائل ضغط لصالح البلاد. في المقابل، لفت عدد من المشاركين الانتباه إلى وجود شكاوى من ضعف أهلية بعض صُنّاع القرار، ومن تحرّكات ذات دوافع شخصية، مطالبين بإصلاحات إدارية وتشكيل وحدات استشارية مهنية لصياغة وتنفيذ سياسات خارجية صارمة.

أهم المقترحات العملية:
1. ترسيخ مبدأ السيادة الوطنية ورفض أي اتفاقيات تمس استقلال القرار السوداني.

2. التحالف الاستراتيجي مع روسيا والصين وتركيا مع الحفاظ على توازن وانفتاح على بقية القوى الإقليمية والدولية.

3. تسريع توقيع اتفاقيات دفاعية واستثمارية تضمن إعادة الإعمار ودعم الاقتصاد الوطني.

4. توحيد القرار الخارجي وتفعيل دور الخبراء الوطنيين في صياغة سياسة خارجية قائمة على المصلحة الوطنية لا الانتماءات الشخصية أو الحزبية.

5. اتباع سياسة الحياد الإيجابي والتوازن الدولي عبر الاستفادة من الموقع الجيوستراتيجي للسودان وتبادل المصالح دون تبعية لأي محور

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *