الخرطوم=^المندرة نيوز^
يشهد السودان هذه الأيام وضعًا صحيًا بالغ التعقيد والتدهور، بعد أن أنهكت الحرب بنياته التحتية ودمرت منظومته الصحية الهشة أصلًا. في ظل هذا المشهد القاتم، خرج وزير الصحة الاتحادي، د. هيثم محمد إبراهيم، في مؤتمر صحفي مؤلم الملامح، ليكشف حجم الكارثة التي يعيشها القطاع الصحي، معلنًا تفشي أمراض وبائية خطيرة مثل الكوليرا، وحمى الضنك، والملاريا في ولايات عدة، ومشيرًا إلى أن جهود وزارته رغم صدقها وتفانيها، تواجه تحديات تتجاوز قدرة المؤسسات الرسمية على المواجهة وحدها.
المشهد الذي وصفه الكاتب محمد عثمان الرضي في مقاله “وزير الصحة… التسول على الهواء مباشرة”، لم يكن مجرد أداء إعلامي، بل صرخة استغاثة من مسؤول وجد نفسه محاصرًا بين واجب الخدمة العامة وانعدام الموارد. حين يعلن وزير في مؤتمر رسمي أرقام حسابات للتبرع، فإن ذلك لا يعكس ضعفًا في عزيمته، بل انهيار منظومة دعم الدولة، وغياب المساعدات الدولية الكافية في لحظة يحتاج فيها السودان إلى خطة إنقاذ عاجلة.
الحرب لم تكتفِ بتدمير المستشفيات والمراكز الصحية، بل عطلت سلاسل الإمداد الدوائي، وأوقفت برامج التطعيم، وأعاقت حملات مكافحة النواقل. اليوم، يتعامل الطبيب والممرض في الميدان بوسائل بدائية وسط بيئة موبوءة، فيما يتزايد النزوح الداخلي ويُعاد إنتاج الأوبئة في مخيمات مكتظة تفتقر إلى المياه النظيفة والصرف الصحي.
دعوة الوزير للتبرعات، وإن بدت للبعض شكلًا من أشكال “التسول الرسمي”، إلا أنها في جوهرها نداء وطني للنجدة. فالمسؤولية الآن لم تعد حكرًا على الدولة، بل مسؤولية جماعية تتطلب تكاتف رجال الأعمال، والمغتربين، ومنظمات المجتمع المدني، لتأسيس صندوق وطني عاجل لدعم الصحة العامة ومكافحة الأوبئة.
إن ما يواجهه السودان ليس أزمة صحية فحسب، بل اختبار لقدرتنا على التضامن والعبور من قلب المحنة. وإذا استطاعت حكومة الأمل بقيادة بروفيسور كامل إدريس تجاوز هذا الملف المعقد، فسيكون ذلك مؤشرًا على بداية تعافٍ حقيقي لبقية مؤسسات الدولة.
إنقاذ ما تبقى من النظام الصحي لا يحتاج إلى الشفقة، بل إلى شجاعة التخطيط، وتوظيف الكفاءات، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة. فحين يمرض الجسد، لا يُعالج بالعويل، بل بالفعل المشترك.
بعد اخير :
خلاصة القول، إن ما يمر به السودان اليوم امتحان قاسٍ، لكنه في الوقت ذاته فرصة تاريخية لإعادة بناء منظومته الصحية على أسس من المسؤولية والتكافل. قد تكون دعوة الوزير للتبرعات صرخة ألم، لكنها أيضًا نداء أمل يختبر وعي المجتمع وقدرته على النهوض.. واخيراً، السودانيون الذين صمدوا في وجه الحرب والجوع قادرون على أن يصنعوا المعجزة مرة أخرى إذا توحدت الجهود وصدقت النوايا. فلنجعل من الأزمة منطلقًا للتغيير، ومن الألم دافعًا للبناء، ولتكن هذه اللحظة بداية طريق نحو وطنٍ معافى ينهض بإرادة أبنائه قبل دعم الآخرين… و نواصل فى الحلقة القادمة إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الثلاثاء (14 اكتوبر 2025م)