المندرة نيوز

مصعب بريــر يكتب.. المناعة المفقودة: هل تحرق “المرحلة الثانية” من لقاح الملاريا في السودان مليارات الجنيهات دون حماية..؟!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
أتى إعلان وزارة الصحة الاتحادية عن بدء “المرحلة الثانية” من إدخال لقاح الملاريا (RTS,S/AS01) في ولايات النيل الأبيض، سنار، وباقي محافظات إقليم النيل الأزرق، اعتباراً من العاشر من ديسمبر 2025، حاملاً أملاً كبيراً لمكافحة مرض الملاريا الذي يمثل العبء الصحي الأكبر في السودان. فالسودان، بكونه أول دولة في إقليم شرق المتوسط تتبنى هذا اللقاح، يشكل نموذجاً رائداً. لكن هذا الإعلان، بوصفه “المرحلة الثانية”، يثير تساؤلات نقدية عميقة لا يمكن تجاوزها دون المساس بجدوى البرنامج بأكمله: هل تم الالتزام بالبروتوكول العلمي للجرعات اللاحقة في “المرحلة الأولى” بما يبرر هذا التوسع الجغرافي؟

تحليل الفجوة الزمنية: سر مناعة لقاح الملاريا

البروتوكول العلمي للقاح يتطلب أربع جرعات تُعطى في جدول زمني محدد بدقة: 5 أشهر، 6 أشهر، 7 أشهر، وسنة ونصف. هذا التقييد الزمني ليس مجرد إجراء إداري، بل هو الأساس العلمي لبناء الاستجابة المناعية الفعالة وطويلة الأمد. التأخير أو عدم اكتمال الجدول الزمني يُقلل بشكل كبير من الحماية المرجوة، التي تتراوح أصلاً بين 30-40% ضد الملاريا الشديدة. إن ضمان عودة الطفل نفسه لتلقي ثلاث جرعات متتالية بفواصل زمنية شهرية دقيقة، ثم جرعة رابعة بعد عام، يعد تحدياً هائلاً في ظل الظروف السودانية الحالية المتمثلة في التحديات اللوجستية والنزوح والتدهور الحاد في البنية التحتية الصحية.

مصداقية “المرحلة الثانية”: غياب بيانات التغطية اللاحقة

يزعم البيان أن “المرحلة الأولى” التي بدأت في نوفمبر 2024 وشملت القضارف وأجزاء من النيل الأزرق قد “حققت نتائج مشجعة”. ولتحليل مصداقية هذا الادعاء، يجب تتبع التغطية اللاحقة للحملة السابقة وفقاً للقيود الزمنية: الجرعة الأولى (نوفمبر 2024)، تليها الجرعة الثانية (ديسمبر 2024)، والثالثة (يناير 2025).

اللافت للنظر والمثير للقلق هو أن البحث في التقارير الرسمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية واليونيسف والشركاء الآخرين لم يسفر عن وجود بيانات إحصائية علنية ومفصلة تُظهر نسبة الأطفال الذين أكملوا الجرعة الثانية والجرعة الثالثة في ولايات المرحلة الأولى.

إن غياب الأرقام الشفافة حول نسبة الأطفال الذين استمروا في الجدول التلقيحي (Drop-out rate) بعد تلقي الجرعة الأولى، يعزز التساؤل النقدي: على أي أساس بني وصف التوسع الحالي بـ “المرحلة الثانية”؟ فـ “النتائج المشجعة” لا يمكن أن تُبنى على التغطية بالجرعة الأولى فقط، بل على إثبات قدرة النظام الصحي على ضمان إكمال البروتوكول التمنيعي الدقيق، وهي المعلومة المفقودة حالياً. هذا الغياب للبيانات يجعل التوسع الجغرافي مجازفة إدارية أكثر منها خطوة قائمة على التقييم العلمي الرصين.

تحليل السياق: مؤشرات التحدي التنفيذي

على الرغم من عدم توفر بيانات السودان المحددة، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن التغطية الوطنية للتطعيم في السودان قد انخفضت بشكل حاد من 85% قبل الحرب إلى حوالي 50% حالياً. هذا الانخفاض الحاد يؤكد أن النظام الصحي يواجه صعوبة بالغة في ضمان الروتين البسيط، مما يرفع مؤشر الخطورة على تطبيق بروتوكول لقاح الملاريا المعقد زمنياً. وإذا ما استُؤنس بتجارب إقليمية مشابهة في بيئات صعبة (كجنوب السودان)، نجد أن نسب الاستمرار في تلقي الجرعات تنخفض بشكل دراماتيكي، حيث تصل نسبة الإكمال في بعض المناطق إلى أقل من 10% للجرعة الرابعة. هذا مؤشر تحذيري يجب أخذه بعين الاعتبار لضمان عدم تكرار السيناريو في السودان.

بعد اخير :

خلاصة القول، إن إدخال لقاح الملاريا هو قرار استراتيجي وطني يجب دعمه بالكامل. لكن توسيع البرنامج إلى “المرحلة الثانية” دون نشر بيانات استكمال الجرعات اللاحقة من المرحلة الأولى، هو بمثابة إهدار للموارد الطائلة وتقويض للثقة في اللقاح. فكل جرعة أولى تُعطى، ولا يتبعها اكتمال الجرعات اللاحقة في موعدها، هي جرعة فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها التمنيعية.. وأخيراً، يجب على وزارة الصحة وشركائها ضمان التطبيق الصارم لبروتوكول التمنيع الطويل المدى للقاح. يجب نشر بيانات التغطية التفصيلية للجرعات اللاحقة للمرحلة الأولى، وتوجيه الموارد لتعزيز نظام التتبع الفردي (Tracking System) والروتين الصحي بدلاً من مجرد التوسع الجغرافي. إن الفشل في ضمان الالتزام بالقيود الزمنية يعني تحويل لقاح الملاريا، الذي يمثل أملاً عالمياً، إلى حملة جزئية تهدر فيها المليارات دون تحقيق المناعة المجتمعية المنشودة، وتُبقي السودان تحت عبء الملاريا كما كان.. ونواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة

حسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *