المندرة نيوز

مصعب بريــر يكتب.. رقمك ليس ملكك بعد الآن: كيف صادرت الحرب حق السودانيين في الاختيار الرقمي؟

الخرطوم=^المندرة نيوز^
في زمن الحرب، تتبدل المفاهيم وتُعاد صياغة الحقوق، حتى تلك التي حسبناها بديهية. رقم الهاتف، الذي غدا اليوم هوية رقمية كاملة تختزن الحسابات البنكية وتطبيقات التواصل وخيوط الصلة بين أسر فرقتها الجغرافيا والرصاص، لم يعد مجرد وسيلة اتصال، بل شريان حياة. من هذا المنطلق جاء بيان جهاز تنظيم الاتصالات والبريد السوداني بإيقاف خدمة “الانتقال برقم المشترك” مؤقتاً، وإعادة الأرقام إلى شركاتها الأصلية، ليفتح باباً واسعاً للأسئلة والقلق، ويضع المشترك بين مطرقة الحرب وسندان الجودة.

حين أُطلقت خدمة الانتقال برقم المشترك في أواخر عام 2015، كانت بمثابة انتصار نادر للمستهلك السوداني. لأول مرة امتلك المشترك حق الاختيار الحر بين الشركات، يهاجر حيث الجودة والعرض الأفضل دون أن يخسر رقمه أو يعيد بناء حياته الرقمية من الصفر. ظلت هذه المعادلة المتوازنة قائمة حتى اندلاع الحرب في أبريل 2023، لتبدأ بعدها سلسلة من الانهيارات الصامتة داخل البنية التحتية للاتصالات، بعيداً عن أعين المستخدمين.

الضربة القاصمة جاءت في فبراير 2024، عندما توقفت أنظمة شركات الاتصالات بصورة مفاجئة وواسعة النطاق. ومع لجوء الشركات إلى أنظمة بديلة وحلول إسعافية لمواجهة الدمار، فقدت الشبكات قدرتها على التعامل مع تعقيدات خدمة الانتقال بالرقم. هنا تحولت الميزة إلى عبء تقني، ووجد المشترك نفسه يدفع ثمن خلل لم يكن طرفاً فيه، مرة أخرى.

من زاوية الجهاز المنظم، يبدو القرار أشبه بجراحة تقنية مؤلمة ولكنها ضرورية. فاستمرار الأرقام المنقولة على أنظمة غير مستقرة أدى إلى انقطاعات متكررة وفشل في وصول المكالمات والرسائل، وهو خلل لا يحتمل خاصة لدى السودانيين في الخارج الذين يعتمدون على أرقامهم للوصول إلى تطبيقات البنوك والتواصل مع أسرهم. إعادة الرقم إلى شبكته الأصلية تعني، تقنياً، تقليل احتمالات الضياع وضمان حد أدنى من الاستقرار في زمن الاضطراب.

لكن الوجه الآخر للقرار لا يخلو من كلفة عالية. إيقاف الخدمة يعني عملياً خنق المنافسة وتجريد المشترك من أحد أهم أدوات الضغط على الشركات لتحسين خدماتها. كما يبعث برسالة سلبية عن تعافي القطاع، في وقت أصبحت فيه خدمة الانتقال بالرقم معياراً عالمياً للنضج التقني، لا سيما في دول الإقليم، ويضع السودان في خانة التراجع بدل التعافي.

بعد اخير :

خلاصة القول، لا يمكن التعامل مع رقم الهاتف كترفٍ تقني قابل للتعليق متى ما اشتدت الأزمات، فهو امتداد لوجود الإنسان ووعاء لخصوصيته وأمانه الاقتصادي والاجتماعي. قد يكون إيقاف الانتقال بالرقم مفهوماً كحل إسعافي، لكنه يصبح خطيئة إن طال أمده دون أفق واضح.. وأخيرًا، ان استعادة حق المشترك في اختيار شبكته ليست مسألة جودة اتصال فحسب، بل اختبار حقيقي لإرادة التعافي، ودليل على أن السودان لا يريد فقط إيقاف النزيف، بل استعادة سيادته الرقمية وكرامة مواطنيه في عالم لا يعترف إلا بمن يملك قراره… ورقمه.

ونواصل… إن كان في الحبر بقية، بمشيئة الله تعالى.

﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾
حسبنا الله ونِعم الوكيل
اللهم لا تُسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين.

#البُعد_الآخر | مصعب بريــر
السبت| 20 ديسمبر 2025م

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *