وثبة الاسود ملحمة الجيش والشعب
شؤون وشجون
الطيب قسم السيد
الخرطوم=^المندرة نيوز^
في السابع من نوفمبر 1987م احتل متمردوا الحركة الشعبية مدينة الكرمك الحدودية.. وشردوا أهلها ودمروا بنياتها بما فيها المسجد والمدارس والمتاجر.. ونزح أهل المدينة في إتجاه الدمازين فآوتهم السلطات في دار الرياضة ومعسكرين آخرين شمال وجنوب المدينة..
ولما كان الإعلام يمثل أحد الأسلحة المؤثرة في مثل هذه الظروف،، عمد إعلام الحركة الشعبية المسموع وقتها ،، عبر اذاعتها التي كانت تغطي اجزاء واسعة من البلاد،، الي بث الإشاعات التي كانت تدعي مقدرة الحركة الشعبية وإمكانية وصول جيشها الى الدمازين والتقدم نحو المدن الأخرى على امتداد الطريق حتي الخرطوم ومنها إلى المتمة حيث توعد قائد الحركة جون قرنق بتناول القهوة عندها..
ونسبة للأثر السالب الذي اوجده اعلام الحركة الشعبية،، رأت ادارة الاعلام بالاقليم الاوسط وقتها،، ضرورة تنظيم حملة اعلامية مضادة لبث الطمأنينة في نفوس مواطني المنطقة والبلاد بصفة عامة.. وتقرر إرسال بعثة إعلامية ميدانية بقيادة الاعلامي الخلاق الاستاذ عبد الحليم سر الختم ،، والمصور الفتوغرافي ازهري حسين،، والتلفازي عبدالكريم عوض،، والمحرر احمد السنوسي من سونا ،، والسائق الطيب ابراهيم وشخصي الضعيف مذيعا عن الإذاعة والتلفزيون الولائيين لينضم إلينا فني الصوت وقتها علي حسن يونس في وقت لاحق.
تحركت البعثة الإعلامية من ودمدني على متن عربة لاندروفر ..وفور وصولها الدمازين شرعت في إعداد رسالة يومية تبث في دائرة تلفزيونية محلية محدودة نقلنا عبرها بعد يوم وصولنا مسيرة عسكرية لإظهار القوة نظمها الجيش..
وطافت ارجاء المدينة وتفاعل معها المواطنون بدرجة غير مسبوقة فاطمئنت قلوب المواطنين بالمدينة وتغيرت رؤاهم من التفكير في المغادرة والنزوح الي مناطق أخري، الي الثبات والتطلع الي النصر المبين
البعثة الاعلامية الميدانية كانت موفقة لحد بعيد في إعداد رسالة إذاعية مسموعة ومرئية يومية عن تطورات الأحداث الميدانية على محوري الكرمك وقيسان التي سقطت هي الأخرى في يد المتمردين واحتلتها قوات الحركة الشعبية واضطر اهلها للنزوح نحو مدينة الدمازين.
لقد اسهمت الرسالة الاعلامية اليومية من مناطق العمليات في رفع الروح المعنوية للجيش بعد ان تحركت الفرقة الثانية بقيادة اللواء زين العابدين قسم الله في محورين احدهما في اتجاه مدينه الكرمك والثاني في اتجاه مدينه قيسان.. الأول بقيادة العميد ركن وقتها محمد العباس الأمين والثاني بقيادة العقيد ركن الطيب حماد. وظلت البعثة الاعلامية المشتركة تنقل تحركات الجيش وتقدمه على محوري الكرمك وقيسان لتتواصل انتصاراته على المحورين بثبات وحماس كبيرين.. واستقبلت الدمازين في تلك الاثناء قوافل الدعم من جميع مناطق البلاد وتدافعت الأحزاب والاتحادات والنقابات والفئات لتقديم الدعم للنازحين والجيش ورفع الروح المعنوية للكل.
فزار المنطقة زعيم طائفة الختمية السيد محمد عثمان الميرغني، ومن قبله رئيس مجلس السيادة السيد احمد الميرغني والشريف زين العابدين الهندي وزير الخارجية وزعيم المعارضة وقتها علي عثمان محمد طه ونواب الإقليم الأوسط بالجمعية التأسيسية محمد احمد الفضل وعبد الرحمن ابو مدين والشريف احمد عمر بدر. اما رئيس الوزراء وقتها الامام الصدق المهدي فقد جاءت زيارته للمنطقة في اليوم الأول من يناير من العام 1988م تزامنا مع تحرير مدينة قيسان الذي تزامن هو الٱخر مع عيد استقلال السودان.
وفي ضحى الثاني والعشرين من ديسمبر من العام 1987م وبحكم علاقتنا مع قيادة الفرقة الثانية اخطرنا المقدم وقتها عبد السلام محمد حسن وهو ضابط الاستخبارات الذي كان يزودنا يوميا بما هو مسموح به من معلومات عن تقدم القوات نحو هدفيها الاستراتيجيين وهما استعادة الكرمك واسترجاع قيسان لنخطر بعد ذلك بتجهيز أنفسنا بعد النصر الذي تحقق وتم إبلاغنا به لننتقل عبر طائرة إخلاء الجرحى للكرمك لنحتفي مع الجنود وقادتهم بالنصر في ارض المعركة.
لقد أسعدنا حقا ذلكم الشرف وقد كنا البعثة الإعلامية الحربية التي شكلت من عناصر وحدات اعلام الإقليم الأوسط وهي الحالة الأولي غير المسبوقة وقتها في تاريخ الإعلام السوداني التي كانت وراء تدافع أحزاب وقبائل وفئات الشعب السوداني دعما لقواتهم المسلحة ومؤازرة ومساندة لأهلهم نازحي المدينتين الغاليتين الكرمك وقيسان.