تمدد التشكيلات العصابية !!..
استراتيجيات
د. عصام بطران
الخرطوم=^المندرة نيوز^
– بالامس كنت مرورا بشارع “الانقاذ” بحري عند تقاطع البراحة وجدت تجمع من الناس عقب انتهاء معركة شرسة بين مواطنين ومتفلتين يستغلون محطة قطار الخرطوم المحلي كنقطة انطلاق و”ساتر” لهم في عمليات الكر والفر واعداد “الكمين” لنهب المارة من السيارات والمشاة .. وفيما بعد شاهدت مقاطع فيديو للمعركة كاول واقعة اثبات وثقت بصورة مباشرة لعمليات النهب والسلب للتشكيلات العصابية الصغيرة المعروفة ب”النيقرز” ..
– تلك المشاهد الدرامية التي لم نشاهدها الا في افلام الرعب الامريكية ابرزت عناصر مهمة كشفت عن تمدد واتساع دائرة التشكيلات العصابية المتعلقة بجرائم النهب والسلب .. العنصر الاول: سن المجرمين المنخرطين في تلك التشكيلات من فئة اليافعين والشباب وفي الغالب رئيس التشكيل العصابي الصغير من فئة الكبار الذين يقومون بإرسال صغار السن لتنفيذ العمليات وبعد القبض عليهم ياتون لاخراجهم بالضمان لصغر سنهم .. العنصر الثاني: ادوات الجريمة والسلاح المستخدم في عمليات النهب “السلاح الابيض” السكين والساطور والامواس والجنازير .. العنصر الثالث: مكان الجريمة الطرق الرئيسة الكبيرة العابرة للمحليات بولاية الخرطوم.. شوارع “الانقاذ بحري – الهواء الخرطوم – امتداد كوبري الحلفايا عبورا الى امدرمان ومنه الى شارع الاسكانات وغرب الحارات” – الهواء الدائري بحري” وهذه الشوارع تمر عبر احياء وتجمعات بشرية عشوائية ومناطق تحت الانشاء والتشييد .. العنصر الرابع: ضعف المستوى التعليمي والفقر والبطالة والنزوح من الولايات المتاثرة بالحرب سمات مشتركة لاعضاء التشكيلات العصابية الصغيرة .. العنصر الخامس: الغنائم المستهدفة تشمل ما خف وزنه وغلا ثمنه كالهواتف النقالة والمبالغ المالية والمقتنيات النسائية .. العنصر السادس: التكتيك الهجومي من حيث اختيار الزمان والكثافة البشرية وغالبا ماتتم العمليات في اوقات “شفق المغرب وفلق الفجر” ..
– تفاقم المشكلة وتناميها يرجع لاسباب .. اولها: عدم اعتراف الاجهزة الامنية والشرطية بوجود تشكيلات عصابية منظمة “النيقرز” وظلت الاجهزة النظامية خلال الفترات الماضية تطلق عليهم عناصر “المتفلتين” .. وثانيها: القانون الجنائي السوداني لم يرد فيه اي اشارات واضحة ومباشرة وصريحة حول تعريف التشكيل العصابي الصغير بينما ادرجها بطريقة غير مباشرة في مواد “الاشتراك – الاتفاق – التعاون” الجنائي او عبر منحنيات الجرائم المنظمة التي جل تركيزها على للشبكات العصابية العابرة للدول والعاملة في تهريب البشر غيرها من الجرائم المستحدثة كجرائم التزوير والمعلوماتية والقرصنة ومجموعات الهاكرز ..
– بروز التشكيلات العصابية الصغيرة هو تطور منطقي لتداعيات الازمة الاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي للمجتمعات من ذوي الدخل المحدود والفقيرة .. اضافة الى التحولات السياسية وما افرزته من تقاطعات سالبة باسم “الحرية” ونظرة المواطن لقوات الامن والشرطة كفصيل عسكري مضاد للفصيل السياسي المدني .. اي انه عنصر “مقيد للحريات” وهذه النظرة الخاطئة للحرية وتناقض مفاهيم التعاطي معها كمكمل مهم للمدنية ادت الى تدني في الروح المعنوية لاجهزة الحماية المدنية من شرطة وامن ..
– اذا غضت السلطة التشريعية الطرف عن التشكيلات العصابية الصغيرة والاعتراف بوجودها وتمددها في المجتمع وعدم تضمينها بصراحة وشفافية في القانون الجنائي وقانون العقوبات فان ذلك سيترك لها الحبل على الغارب ويجعلها تطور من نشاطها وتنظيمها وتقفز الى انشطة اكثر اتساعا خاصة في مجال استخدام نوعية الاسلحة بدلا عن السكين والساطور فمن المؤكد مستقبلا سيستخدمون السلاح الناري لانهم بعد قليل سيشعرون بالتسليح الشخصي بالسلاح الناري للمواطنين لحماية انفسهم واموالهم في غياب المنظومة الامنية بمنطقة الحدث اثناء حدوثه لانها عملية خاطفة تتم في دقائق معدودة يختفي بعدها المجرمون .. ولمقابلة ذلك سيبحثون عن طرق تسليح اخرى وحينها ستشتعل المعارك بالسلاح الناري وبين التشكيل العصابي والمواطن مما يؤدي الى وقوع ضحايا ابرياء لا ناقة لهم ولاجمل غير العبور الامن في الطريق العام او من المتفرجين من خلال شرفات المنازل ..
– باتت “التشكيلات العصابية” موضوعاً يحتاج إلى معالجة قانونية تشريعية محكمة لمواجهتها ومحاصرة تمددها والتعرف على مدلولات التشكيلات العصابية وعوامل واسباب ظهورها ووضع السياسة التشريعية الملائمة لوئدها موائمة مع التشريعات المقارنة على المستوى الموضوعي والاجرائي مع ضرورة تطبيق النصوص القانونية الخاصة بجرائم التشكيلات العصابية لانها جرائم متكررة ومنظمة من قبل التشكيل وتختلف اختلافا جوهريا عن “الاشتراك والاتفاق والتعاون” الجنائي الذي من الممكن ان تقع جريمته لمرة واحدة او بدوافع مجملها السببية في القصد الجنائي وهذا يختلف عن الجرائم المرتكبة من قبل التشكيلات العصابية الصغيرة واهمية التمييز بينها والاجرام المنظم والجرائم الجماعية وهذا بدوره يحدد المسئولية الجنائية للتشكيل العصابي وقواعد اثبات جرائم التشكيلات العصابية المحلية .. والاهم من ذلك عدم ادماجها مع تشريعات الجرائم المنظمة الدولية ..