محمد زين العابدين=^المندرة نيوز^
تباينت الآراء للعمل حول حديث المدير العام لشرطة ولاية الخرطوم ومطالبته بالعمل بقانون النظام العام، وإنقسم الشارع العام ما بين رافض ومؤيد لهذا المطلب، حيث يري الرافضين أن المطالبة تُعبّر عن عجز الشرطة في أداء عملها وان الظواهر السالبة لا تحتاج لمثل هذه التصريحات السلبية والسماح بإستخدام القوة لزجر الشباب والشرائح الضعيفة، بينما رأت الفئة المؤيدة لعودة قانون النظام العام أن الظواهر السالبة إنتشرت بصورة كبيرة مؤخراً ويُكاد لا يمُر يوم من غير أن نسمع بجريمة قتل أو إغتصاب أو عملية سرقة ونهب.
نقطة الخلاف
وكان مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق عيسي ادم إسماعيل طالب بعودة قانون النظام العام وذلك خلال حديثه لقناة الجزيرة القطرية الفضائية وقوله إن غياب قانون النظام العام أسهم في تصاعد التفلتات الأمنية والفوضي، وظهرت عدة ظواهر سالبة بعد إلغائه، وتابع حديثه بمطالبته بعودة قانون النظام العام مع إمكانية تغيير الاسم وأن يُطبق وفق شعارات الثورة المُتمثّلة في الحرية والسلام والعدالة، حيث أكد وقوفه مع الحرية الشخصية ولكن إذا ظهرت في الشارع العام بمظهر غير لائق يثير حفيظه الأخر فهنا لا يُمكن إعتبارها حرية شخصية.
أصداء وتداعيات
ونزل حديث مدير شرطة ولاية الخرطوم كالصاعقة ليس علي المواطنين فحسب بل وحتي علي قادة الشرطة أنفسهم، حيث تفاجأ القادة من الحديث المنسوب لمدير الشرطة بالولاية، وإعتبروا كلامه بمثابه صب الزيت علي النار وفتح أبواباً عديدة للإنتقاد والجدل في وقتٍ تشهد فيه العاصمة سيل من عمليات السرقة والنهب وتعدي الأمر الي أبعد من ذلك ووصل لمرحلة القتل.
وتدخّلت وزارة الداخلية سريعاً لإحتواء الموقف وقالت في بيان صادر لها مؤخراً بأنه ليس هنالك أي إتجاه في إعادة إنتاج تشريعات تواضع الشعب علي رفضها بإعتبارها مُقيدة للحريات العامة ولا تتفق مع مطلوبات التغيير والتي علي رأسها قانون النظام العام، مؤكدةً إلتزامها بمعطيات المرحلة بكل أجهزتها مع إرادة الشعب نحو التغيير وإرساء قواعد الدولة المدنية التي تحتكم لسيادة القانون.
فرض الأحكام
وأوضح البيان أنه تم رصد أصوات تُنادي بفرض بعض الأحكام وتنفيذها بواسطة أفراد أو جماعات، مؤكدة رفضها لهذا الأمر ووصفتهُ بالنهج المرفوض، وأشار البيان الي أن فرض أي نُظم أو عقوبات تُنفذ بعيداً عن الأجهزة العدلية المُختصّة يُعد أمراً غير قانوني يستوجب المساءلة القانونية وسنتصدي له بالحزم والحسم اللازمين.
وبدورها أكدت النيابة العامة إن قانون النظام العام سيئ الصيت تم إلغاؤه ولم يعُد جزءاً من المنظومة التشريعية، وقالت في بيان لها أن الكل يدرك أنهُ تحت مظلة هذا القانون قد اُنتهكت الخصوصية وتم إذلال المرأة والشباب والطلاب، واُنتهكت كل الحقوق الأساسية للإنسان السوداني وظل سيفاً مُسلّطاً علي الرقاب حتي تم إلغاؤه من غير رجعه.
إحترام القوانين
ويري خبراء قانونيون أن علاج الظواهر السالبة يكون عبر القانون والأسر في المقام الأول، مؤكدين أن الشرطة منوط بها ضبط الشارع فيما يختص بالجرائم التي تقع فيه كالتحرُش، والعنف، فيما عدا ذلك فليس كل المسائل تذهب للقانون، وأشاروا الي ان الامر لا يتطلب قبضة حديدية وإنما يحتاج الي عمل داخل الأسر حتي متفاهمة وتنشئ أجيال جديدة تحترم القوانين من خلال ضبط السلوكيات ذاتياً.
وأرجع الخبراء ثقافة عدم إحترام القوانين الي مرور (٣٠) عاماً من القوانين الرديئة مما أدي الي الإحتقان وبالتالي عدم إحترام القانون الذي يتم التعامل معه كقيد، وأشاروا الي ان المواطنين أصبحت نظرتهم تجاه الشرطة نظرة عدائية بسبب سنوات من القمع لأبسط الأسباب، مطبقين المقوله التي تقول ( كلما زاد الكبت… زادت التفلتات )!، مؤكدين إن الأصل في القوانين إحترام حريات وحقوق المواطنين وليس إخافتهم.
وجود البديل
فيما يري أخرين إن علو مركز الليبرالية الجديدة في السُلطة أطاح بحزمة القوانين المُسمّاة بقوانين الضبط الإجتماعي، والتي بغض النظر عن الإسم والفلسفة التشريعية التي حكمتها لا يمكن لسُلطة عاقلة بأن تقوم بإلغائها من غير بدائل، وأشاروا الي أنهُ بقدر إنتقادهم لقانون النظام العام منذ إجازته لجهة ميل القانون لتبني أقصي يمين إتجاه المحافظة، إلا أنهم ينتقدون إلغاء التشريع بأسره مما يهدد الأداب العامة والعُرف الغالب، بل قد يدفع الي ظواهر فوضوية تصل الي مرحلة تهديد الأمن والسلامة والصحة العامة.
الشاهد في الأمر أن التفلتات الأمنية نتجت بسبب الظروف الإقتصادية المتردية، أمّا الجرائم الأخري مثل الإغتصاب والتحرش فجاءت نتيجةً لجوانب ثقافية متعددة، عليه تحتاج الشرطة لكوادر بمستوي تعليمي عال وإمكانيات لوجستية لمواجهة الإنفلاتات والعمل المُنظّم ضد الثورة، ويجب تأهيلها وتدريبها بحيث تُنفذ وتطبق القانون في دولة مدنية.