الخرطوم=^المندرة نيوز^
زميل عمل كان ملحدا من أسرة أفريقية مسلمة، وكان يحرص على طلب الإفطار والمشروبات من الكافتريا في نهار رمضان .. بالرغم من أنه شخصية مثقفة جدا ويحب النقاش الفلسفي لكنه مصاب بالرغبة في اشهار الحاده أمام المسلمين بالذات .. زميلنا الآخر
الصومالي كان يخرج متضايقا وكنت أبقى واظهر البرود واللامبالاة تماما.
واضح أنه قبل الحاده الكامل مر بفترة “الماركسية الجدلية” في معاداة الوسط الذي يحيط به فأكسبه بعض العناد والكراهية.
لم أحفل به وهو يكرر هذا السيناريو لمدة يومين ويمازح الطالبات المسلمات المحجبات بالدعوة للطعام .. وهن ينظرن لي من باب “قل شيئا .. كن مسلما غيورا” .. وأنا أدري أن صديقي هذا من دولة تتعاطى الإفطار في الصباح الباكر ولا يحتاج من الأساس لهذا الروتين .. لذلك قررت التعامل معه باعتباره “حالة” وليس “عدو” .. وكما يقال عندنا في السودان “صهينت” وهي اظهار اللامبالاة .. أو “الصهينة” ولا علاقة لها بالصهيونية .. ولم أبحث في جذر الكلمة.
المهم .. في جلسة مسائية مرهقة لتصحيح إجابات المتدربين دار بعض الأنس .. قلت له فجأة .. زوجتي نباتية – لم أكن حينها متزوجا أصلا – ومعظم زملاءها نباتيين ومديرهم في العمل يحرص على أكل الدجاج امامهم بشراهة بحجة أن هذه حريته الشخصية، في الحقيقة لم أجد ردا على هذا … فعلا حرية شخصية أليس كذلك؟!
انقلب وجهه وبدأ في محاضرة عن أن حدود الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين وأنه هذا فهم سيء للحرية الشخصية وعدم احترام للمشاعر الإنسانية وإسائة لاستخدام موقعه و…
انتبه فجأة عندما وجدني أحدق فيه متبسما وصاح ..
Oh no .. you got me .. I know what you want to say !!
قلت له .. ربما لدي ما أقوله لكن دعنا ننتهي وانشغلت بالتصحيح.
لاحقا في الصباح .. وهو ينتظرني بفارغ الصبر (وبدون فطور) قلت له أولا دعنا نحدد ما هو الفرق بين
non-Muslim and anti-Muslim
الملحد غير مسلم وغير مؤمن بأي دين .. لكن يمكن أن يضيف إلى ذلك معاداة دين محدد مثل الإسلام وفي هذه الحالة قد يتفق مع هندوسي متطرف يدعو لذبح المسلمين أو صليبي متعصب يدعو لاحتلال الدول الإسلامية ومصادرة استقلالها .. في هذه الحالة هو غير ملحد بل هو “متدين” بمعاداة “الدين الإسلامي”.
استمر النقاش وغالبا صديقي سيعيد نظره لكثير من الأمور لكن أنا واثق ان مثله كثير هذا الأيام .. وواثق أيضا أننا لو أسقطنا ذلك على واقعنا لتأكدنا أنه هنالك فرقا شاسعا بين العلمانية ومعاداة التوجه أو الفكر الإسلامي أو الدين الإسلامي نفسه … لأنه ببساطة حتى في العلمانية نفسها يتم تحرير عملية التشريع لتعتمد على العقل والاستفادة من اي فلسفة إنسانية.. دينية أو عرفية أو ثقافية .. وهنا لا يعتبر من نواقض العلمانية نفسها التعامل مع الشريعة الإسلامية كأحد المراجع .. بل والنص على ذلك بدلا من الحرص على النص بنقيض هذا واتهام من يرفض الإقرار بهذه النسخة المتربصة بدين محدد انه يدعو لدولة دينية إرهابية.
معاداة الدين الاسلامي في ثياب التقدمية والمدنية تصل الى درجة الانشغال بتتبع قوانين الأحوال الشخصية والأسرة والمجتمع .. في مجتمع أصلا تسود فيه الأعراف على القوانين نفسها مما يجعل تغييرها ضعيف الأثر أصلا ولا قيمة له في بعض المناطق .. مجرد استنزاف للطاقات الوطنية في حملات كراهية ضد الفقهاء والعلماء والمتدينين .. وأحداث شروخ في المجتمع وضربه في انسجامه وطمأنينته ..في وقت هنالك ضرورة لإقامة انتخابات مثلا .. لكن عند هذا المعادي للدين الإسلامي الحقوق الدستورية والحريات الأساسية للمواطن في اختيار السلطة التي تحكمه والنواب الذين يمثلونه في التشريع نفسه وبناء مجتمع ديموقراطي ليست بأهم من قانون تافه يحمي المفطرين في نهار رمضان، أو أن يصدر والي الخرطوم (مثلا) قرارا يلغي الفصل في أحواض السباحة التي تخصص أياما للرجال وأياما للنساء والأطفال .. ويعتقد بعضهم أنه وجود نساء ورجال “يبلبطوا” في الموية يجعلنا مثل أوربا لأنهم هنالك “يبلبطون”!
سطحية وتفاهة في التفكير مع حشرجات في قلوب تكره الدين لأسباب أو تجارب شخصية .. ليس الا ..!
* ملحوظة .. في النقاش والالزام بالحجج يجوز إيراد افتراضات ليس بالضرورة أن تكون موجودة كقول إبراهيم “بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا” ولذلك تحدثت له عن قصة من واقع إفتراضي فيه زوجة نباتية لانه كان معجبا بهذا.