المندرة نيوز

مسارب الضي _ د. محمد تبيدي يكتب.. روسيا حليف السودان الخامل والإمارات حليف دقلو النشط

الخرطوم=^المندرة نيوز^

في خطوةٍ تحاكي فنون الدبلوماسية الاستراتيجية، نجح الجيش السوداني من اول بداية الحرب ضد مليشيا آل دقلو المُتمردة في تفادي الوقوع تحت التأثير الحصري لإحدى القوى الكبرى، لا سيما روسيا، واستطاع في الوقت نفسه أن يستقطبها إلى جانبه عبر الحفاظ على توازن دقيق مع الولايات المتحدة الأمريكية. هذه المناورة السياسية التي تأتي والحرب مستمرة كشفت عن قدرات القيادة العسكرية السودانية على إدارة علاقاتها الخارجية بحنكة، واستثمار الخلافات الدولية إلى صالحها.

الصراع المسلح في السودان في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع ،اسفر حتى الآن عن أكثر من 20,000 قتيل وملايين النازحين. ومع تعدد الأطراف والشركاء الإقليميين والدوليين، دخلت روسيا مبكراً على خط الصراع، وانتقلت من حليف حميدتي الي حليف الجيش السوداني مقابل تنفيذ اتفاق سابق لبناء قاعدة بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر. بيد أن علاقتها بالسودان لم تخلُ من التقلبات، إذ قدمت في الوقت ذاته دعماً غير مباشر لمليشيا الدعم السريع عبر مجموعة فاغنر وبالرغم م تحذر الولايات المتحدة روسيا من تبعات توسيع وجودها العسكري في السودان، مشددة على “عواقب وخيمة” قد تترتب على أي خطوات لتأسيس قاعدة بحرية روسية. وفي الوقت الذي تراقب فيه واشنطن تحركات موسكو بحذر، بدأت الخرطوم بتنويع شركائها الدوليين سعياً لتفادي الانكفاء على أي أحد، وللحصول على غطاء دبلوماسي واقتصادي يساعدها في مواجهة التحديات الإنسانية والتنمية في ظل الحرب، وفي وقتاً سابق أعلنت القوات المسلحة عن إحكام سيطرتها على قصر الرئاسة في الخرطوم بعد أشهر من الاضطراب، في انتصار رمزي عزز موقفها التفاوضي مع الشركاء الأجانب والتأكيد على السيادة السيادية رفضت الخرطوم مطالبات حليفتها موسكو لأكبر وجود عسكري روسي، مكتفية بنقطة لوجستية صغيرة بدلاً من قاعدة كاملة، ومشددة على أن أي اتفاق لا يخل بسيادة السودان وتعميق التعاون مع أمريكا وحلفائها
أرسلت الحكومة السودانية وفوداً إلى واشنطن ومدن خليجية، لتعزيز دعم الولايات المتحدة والإمارات والسعودية، خاصة في مجالات التدريب العسكري والمساعدات الإنسانية وحماية خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر ولكنهم ظلوا يتململون بين هذا وذاك فماكن من السودان الي ان يستقطاب الروسي تحت وطأة المكاسب المتبادلة على الرغم من التحذيرات الأمريكية، ونجح الجيش السوداني في استقطاب روسيا عبر رفع سقف التعاون الاقتصادي والأمني واتفاق لوجستي بالموافقة على إنشاء مركز لوجستي لرسو السفن الروسية في بورتسودان، لا يعدو كونه نقطة دعم للصيانة والتموين دون تواجد دائم لقوات برية كبيرة وسلّمت موسكو الخرطوم دفعات من الدعم اللوجستي، ما مكّن الجيش من إحكام سيطرته على طرق الإمداد والسيطرة الجوية جزئياً، في مقابل التزام السودان بعدم التوقيع على أي اتفاق يهدد أمن الدول المجاورة أو الملاحة الدولية ومهما كان التحالف محفوفاً بالمخاطر، إلا أن السودان كان في حاجةٍ ماسةٍ إليه للدعم اللوجستي ووقوف الحليف معنا في مجابهة دولة الإمارات العربية المتحدة الداعم الأول لمليشيا الدعم السريع المتمردة.
تعرض مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، وقاعدة فلامنجو البحرية الروسية لهجمات متكررة بواسطة طائرات مليشيا آل دقلو المُتمردة المسير، يؤكد الحاجة الملحة لتوحيد الجهود بين روسيا والسودان لمواجهة مليشيا آل دقلو المتمردة وكفيلهم محمد بن زايد. ويُتوقع أن يؤدي هذا الدعم الكبير إلى تمكين الجيش السوداني من القضاء نهائياً على مليشيا الدعم السريع بعد وبيان مقاطعة الإمارات التي خرجت بها جلسة مجلس الأمن الأخيرة مقاطعةً من السودان لدولة الإمارات بعد قرار شطب دعوى السودان ضد الإمارات بحجة أنها “غير معنية” بالقضية. وقد تدخلت السعودية وقطر لخلق مناخٍ دبلوماسي يخفف من حدة التوتر بين البلدين جائت ردّود فعل الإمارات بأصدرت أبوظبي تصريحاً لا تحترف فيه بقرار مجلس الأمن السوداني، معتبرةً أن السودان لم يحترف الإجراءات الدبلوماسية في اتخاذ هذا القرار وعليه قررت وزارة الخارجية السودانية سحب بعثتها الدبلوماسية من أبوظبي، في خطوةٍ تصعيدية تؤكد عمق الأزمة بين الخرطوم وأبوظبي.

يبقى سؤال مدى قدرة الجيش السوداني على الحفاظ على هذا التوازن الفريد وسط تزايد التنافس الأمريكي الروسي في شرق إفريقيا ومخاطر التورط قد يدفع التقارب الروسي السوداني إلى عقوبات أمريكية أو عزوف عن دعم اقتصادي، خاصة إذا توسع الوجود الروسي أكثر من “المركز اللوجستي” الحالي او انها خطوة يمكن أن تعزز للاستثمارات الأمريكية والغربية أن تعزز البنى التحتية في مدينة بورتسودان والمناطق المحررة، بشرط استمرار الجيش في ضبط إيقاع علاقاته الخارجية او ضرورة التسوية السياسية في ظل معاناة ملايين المواطنين، لن يغطّي التوازن الدولي الخلاف الداخلي؛ فالخيار الأمثل يظل مع الحليف الذي يمكننا من دحر التمرد وإعادة النظام إلى الإعمار والتنمية والتخلص من محمد بن زايد كفيل مليشيا آل دقلو المُتمردة.

نجح الجيش السوداني في تدوير الزوايا الدبلوماسية واستثمار تنافس القوى الكبرى، فحيد روسيا جزئياً إلى موقع داعم محدود، واستقطبها عبر اتفاقيات لوجستية، في مقابل تعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة وحلفائها. غير أن هذا التوازن يبقى هشاً، ولا بديل فيه عن تسوية داخلية تضمن مشاركة وطنية حقيقية تنهي معاناة الشعب السوداني.

وانا سأكتب للوطن حتى أنفاسي الأخيرة

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *