المندرة نيوز

العقوبات الأمريكية على السودان.. (6) نقاط وراء الإتهام

الخرطوم=^المندرة نيوز^
نشرت صحيفة واشنطن بوست في يناير الماضي تقريرًا بالغ الحساسية، افادت فيه مزاعم أربعة مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى بأن القوات المسلحة السودانية استخدمت الأسلحة الكيميائية مرتين على الأقل ضد قوات الدعم السريع في المناطق النائية من البلاد، وهي القوات التي تتهمها الولايات المتحدة بارتكاب جرائم إبادة جماعية.

ووفقاً لتقرير كتبه محمد بن عمر ونشر على موقع “ميديم” الأميركي، فإن التقرير الذي أصدرته الصحيفة الأميركية البارزة لم يقدم أي أدلة ملموسة، ولم يشِر إلى وجود أي تحقيق مستقل، ولا تقييمات ميدانية موثوقة، ولا بيانات علمية تدعم تلك الادعاءات.

في تلك الفترة، مرت الأحداث دون اهتمام دولي واضح، ومع ذلك، وبعد مضي أكثر من أربعة أشهر، بدأت واشنطن في تطبيق عقوبات رسمية على السودان. إن تسلسل هذه الأحداث، الذي شمل تسريب المعلومات إلى وسائل الإعلام ومن ثم الضغط السياسي ففرض العقوبات، يحمل في طياته ما يمكن اعتباره علامة بارزة لاستراتيجية تم تصميمها بعناية لتحقيق أهداف جيوسياسية.

1- أين الدليل؟

وفقًا لتقرير الموقع الأمريكي، فإن السؤال الأول الذي يطرح في هذا السياق هو بسيط لكنه عميق، وهو: أين الدليل؟ هل قامت لجنة دولية مستقلة بزيارة مواقع الهجمات المزعومة؟ هل تم جمع عينات من التربة أو أي بقايا بيولوجية وتحليلها بواسطة خبراء محايدين؟ وهل تم السماح للمنظمات الإنسانية المحايدة بالوصول إلى تلك الأماكن وإجراء أي تحقيق؟يرد كاتب التقرير بأنه لم يحدث أي مما تم الإشارة إليه، وبدلاً من ذلك، من المتوقع أن يقبل المجتمع الدولي تلك الادعاءات الخطيرة التي تستند فقط إلى مصادر مجهولة لم يتم التحقق منها. إن اتهام استخدام الأسلحة الكيميائية هو اتهام بالغ الخطورة يجب أن يستند إلى أكثر من مجرد تكهنات إعلامية، ويجب أن يتم الوصول إليه من خلال دقة علمية وإجراءات قانونية مناسبة.وفقا للكاتب، فإن مثل هذه الادعاءات ليست بالأمر الهين، حيث تم استخدامها تاريخياً لتبرير التدخلات الخارجية وتغيير الأنظمة بالقوة وتفكيك الجيوش الوطنية، كما حصل في العراق، ويبدو أن السودان قد يكون في طريقه نحو مصير جيوسياسي مشابه.

2- السياق الذي تم تجاهله

يعتقد كاتب التقرير أن الوضع في السودان لا يعد صراعًا بين أطراف متساوية، بل إن هناك دولة ذات سيادة تواجه مليشيا خارجة عن القانون تتمثل في قوات الدعم السريع، التي ارتكبت جرائم حرب مروعة وشردت ملايين الأشخاص وحاصرت المدن. وعلى الرغم من ذلك، يتم تعزيز رواية تسيء إلى الجيش الوطني وتتجاهل أفعال المليشيا.

ويشدد الكاتب على أن ما يطرحه هنا لا يمثل دفاعاً عن جهة معينة، بل هو دفاع عن الحق السيادي للسودان في تحقيق العدالة والكرامة وتقرير المصير.

يشير إلى أنه إذا كان هناك دليل موثوق على استخدام الأسلحة الكيميائية، يجب أن يتم التحقيق فيه من خلال لجنة دولية شفافة وعادلة تحت إشراف الأمم المتحدة أو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

إن “تطبيق عقوبات بناءً على تسريب صحفي فقط ليس عدلاً، وهو سابقة خطيرة في القانون الدولي المسييس‏.”

3- تدابير أميركية متصاعدة

في 22 مايو الجاري، فرضت الولايات المتحدة رسميًا عقوبات على السودان بسبب انتهاكه لقانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991. وستبدأ هذه العقوبات بالنفاذ اعتبارًا من السادس من يونيو القادم بعد إبلاغ الكونغرس، وتشمل ما يلي:

حظر بعض الصادرات الأميركية إلى السودان. فرض قيود على إمكانية الحصول على قروض من الحكومة الأمريكية وضمانات الائتمان.اتهامات رسمية للسودان بانتهاك التزاماته وفقًا لاتفاقية الأسلحة الكيميائية.تأتي هذه العقوبات بعد عقوبات فردية سابقة مفروضة على رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وذلك بسبب مزاعم تتعلق باستهداف المدنيين واستخدام المجاعة كوسيلة للحرب.

4- إستراتيجية التصعيد

ورأى الكاتب أن الإجراءات الحالية ليست سوى انطلاقة، ويعتقد أن هناك استراتيجيات ضغط أمريكية محتملة قد تشمل ما يلي:

قد تطلب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إجراء تحقيق مستقل والنظر في إمكانية تعليق عضوية السودان فيها.من المتوقع أن يساند الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة، كما فعل في مواقفه تجاه سوريا وروسيا.يمكن لمجلس الأمن أن يعيد تقييم قضية السودان تحت ذريعة “تهديد السلام والأمن الدوليين”.قد يضطر الاتحاد الأفريقي إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه السودان في حال حدوث أي إدانات دولية محتملة.قد تقوم المحكمة الجنائية الدولية بإعادة فتح تحقيقها حول السودان، وقد تضيف أسماء جديدة إلى قائمة المتهمين بجرائم الحرب.

يعتقد الكاتب أن هذه الخطوات، إذا تم تنفيذها، قد تؤدي إلى زيادة العزلة الدولية للسودان وتعزيز حالة الفوضى السياسية التي يواجهها.

6- حملة ضغط محسوبة

يختتم الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن ما يظهر ليس الجهود المبذولة لتحقيق العدالة، بل هي محاولات تهدف إلى إعادة هيكلة النظام السياسي في السودان من خلال سياسة ممنهجة للضغط والعزل، حيث يتم استخدام مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية كذريعة لفرض العقوبات ونزع الشرعية عن المؤسسات الوطنية وتغيير ميزان القوى.

يؤكد على أن كل ما تم ذكره يعكس تطبيقاً واضحاً لمبدأ “الجزرة والعصا”، حيث يتم حرمان الجيش السوداني من الحصول على الأسلحة ويواجه ضغوطاً اقتصادية ودبلوماسية تجبره على قبول الحلول السياسية المفروضة من الخارج، دون الأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية أو الإرادة الشعبية.

يعكس هذا الأسلوب الاستراتيجيات التي تم اعتمادها سابقًا في العراق بعد حرب الخليج وليبيا بعد القذافي، حيث تم استخدام الضغط الاقتصادي والعزلة السياسية لدفع الدولتين نحو الامتثال، مما أدى في النهاية إلى تفكك كل منهما.

في حالة السودان، قد تؤدي هذه الاستراتيجية إلى زيادة الانقسامات الداخلية، ‏إطالة أمد المعاناة الإنسانية ،‏ و‏زعزعة ‏المنطقة بشكل أكبر.

ما يتم البحث عنه هو إجراء تحقيق محايد تحت إشراف دولي، مع احترام السيادة السودانية، والالتزام الفعلي بقيم السلام والعدالة، بدلاً من السعي لتغيير النظام.

المصدر : الصحافة الأميركية

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب