الخرطوم=^المندرة نيوز^
في وقت تزداد فيه معاناة السودان بسبب العدوان الوحشي الذي تقوده ميليشيا التمرد المعروفة سابقا باسم “قوات الدعم السريع”، تطل علينا صحيفة “ *الشرق الأوسط* ” السعودية بتقرير مثير للريبة، يتحدث عن “ نار تحت الرماد ” في شرق السودان، ويصفه بأنه على شفا انفجار كبير بسبب ما قيل عن تدريب وتسليح إريتري لميليشيات قبلية. المقال *مليء* بمصطلحات مستعارة من أدبيات الفوضى ، ومركّز على تأجيج التناقضات العرقية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى التماسك والتهدئة…..
لكن الحقيقة، وإن حاول البعض طمسها، لا يمكن إخفاؤها: ما يجري في شرق السودان لا يُفهم إلا ضمن سياق المقاومة الوطنية السودانية للغزو الداخلي الذي تمثله ميليشيات الدعم السريع، وليس كمسرح مستقل لصراع. قبلي أو إقليمي….
اولاً:
الحقيقة بشأن “ _التدريب الإريتري_ ”
نعم، توجد معلومات موثقة تشير إلى أن بعض الفصائل في شرق السودان تلقت تدريبات في معسكرات داخل إريتريا مثل “ *ساوا* ” و” *ريبدا* ”. لكن هذا لا يعني أن الإقليم على شفا حرب إقليمية، ولا يعني أن إريتريا تسعى لتفجير الوضع كما توحي المقالة. بل إن هذه الخطوة تمت ضمن *تنسيق* أمني مشروع و محكم مع *الحكومة السودانية* بقيادة *فخامة الرئيس* الفريق أول ركن *عبد الفتاح البرهان* ، وضمن سياق دعم الجيش الوطني في حربه ضد التمرد المدعوم من الخارج.
وبدلاً من التركيز على هذا التنسيق، اختار كاتب التقرير تصوير *المشهد* وكأن هناك *ميليشيات* تتبع أجندات خاصة تسعى لتقويض الاستقرار. وهي سردية مشبوهة تتطابق بشكل مثير مع روايات *العدو الحقيقي:* ميليشيا الدعم السريع التي تحاول تمزيق السودان من الداخل…..
ثانياً:
تضخيم الأكذوبة وتشويه طبيعة التحالفات
يورد التقرير رقمًا مبالغًا فيه عن وجود “ *أكثر من 12 ميليشيا* ” في شرق السودان. ما لا يقوله التقرير هو أن أغلب هذه التشكيلات العسكريه الوطنيه هي قوى محلية أو حركات موقعة على اتفاق جوبا، التزمت بالوقوف مع الدولة ضد التمرد. إن تصوير هذه القوى كجماعات خارجة عن القانون يُعد خلطًا متعمدًا بين من يقاتل مع الدولة ومن يقاتل ضدها…
أما الحديث عن “ *الانتماءات القبلية* ” فهو خبث مقصود به تأجيج الفتن، في حين أن أغلب هذه القوى تضم مقاتلين من كافة المكونات، وقد تركوا خلافاتهم جانبًا دفاعًا عن وحدة السودان…
ثالثاً:
غياب الموضوعية في قراءة الدور الإريتري
الدور الإريتري ليس جديدًا، وسبق أن رعت أسمرا اتفاقية سلام شرق السودان عام 2006. لكن في المقال، يُقدّم أفورقي كأنه يخطط للتدخل العسكري في السودان. هذه المبالغات تخدم منطق تبرئة ميليشيا الدعم السريع وتضليل الرأي العام…
لذلك لابد من تفعيل استراتيجية القرن الأفريقي و التكامل الاقتصادي وفق المعطيات و المصالح التي تتناسب مع سيادة السودان و تدعيم مؤسساته الرصينه..
ما يُفترض من الصحافة المسؤولة أن تفعله هو مطالبة الدول المجاورة باحترام سيادة السودان ودعم وحدته، لا زرع الشكوك حول أي تعاون مشروع مع حكومة السودان الشرعية…
رابعاً
_مسؤولية الحكومة الجديدة_
وفي هذا السياق، فإننا نوجّه *نداءً* صريحًا إلى سعادة رئيس مجلس الوزراء السوداني الجديد
أنت لست مطالبًا الآن بخوض سجالات السياسة الخارجية أو التصدي لحروب المعلومات التي تُشن على السودان من بعض الجهات المشبوهة. هذه مهمة مجلس القيادة السياسية العليا للبلاد بقيادة فخامة الرئيس. مهمتك الوطنية الآن هي التركيز الكامل على إدارة الشأن الداخلي:
• تفعيل دور مؤسسات الدولة و تمكينها في متابعة تقديم الخدمات و اسنادها بالتعضيدد عليها…
• إصلاح الإنتاج الاقتصادي وزيادته و معالجة آثار الحرب على المواطنين بتفعيل القوانين…
• تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني الحقيقي بدلًا من ترك الساحة للزعامات الطفيلية و الانتهازية الخرساء و ما أكل الضبع….
ختامًا:
خطر الوقوع في فخ التضليل الإعلامي
إذا لم يكن هذا التقرير حقيقيًا، أو كان مسرّبًا من جهات معادية تتخفى تحت عباءة الصحافة ، فالأمر أخطر. إذ إن مثل هذه المقالات تُستخدم أحيانًا كمقدمات لهجمات ناعمة على السودان أو كمحاولات لبث الفتنة وإثارة الشكوك بين مكونات الدولة والشعب تحت دائرة الحرب النفسية……
وعليه يجب أن تكون الدولة السودانية يقظة أمام هذا النوع من الإعلام الحربي الذي يتسلل تحت عباءة التحليل ليزرع الفتنة ويضعف الجبهة الداخلية…
أما الشعب السوداني الابي فهو اليوم أكثر وعيًا من أن تنطلي عليه مثل هذه الروايات المفخخة….
السودان اليوم يخوض حربًا وجودية من أجل البقاء و اعلاء هيبته ولن يُسلم مفاتيحه لأي أجندة* إقليمية أو دولية مشبوهة … ولن يسمح بأن يتحول شرقه إلى لعبة بيد من تآمروا على غربه…
لا تهاون ولا تفريط في حق السياده الوطنيه و مكتسباتها و مقتدراتها و مؤسساتها مهما بلغ الأمر من تضحيات خالدة و عظيمة …..
وطن و مؤسسات….
السودان أولا و أخيراً…
د. عبدالعزيز الزبير باشا