المندرة نيوز

مصعب بريــر يكتب.. المخازن تبنى والدواء مفقود.. الصندوق القومي يشيّد مخازن فارغة والمرضى يحتضرون أمام الصيدليات ..!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
في توقيت تبدو فيه المساحات الخالية على أرفف الصيدليات أكثر من المساحات المملوءة، ومرضى يموتون أمام أبواب الوصفات بلا جرعة تنقذهم، يختار الصندوق القومي للإمدادات الطبية أن يبرم عقودًا بملايين الدولارات لبناء مخازن استراتيجية في ولايتي الجزيرة ونهر النيل. فهل هذا قرار رشيد أم انعكاس لخطل مقيم في أولويات؟

في 23 سبتمبر 2025 وقّع الصندوق عقدًا لبناء مخزن في ولاية الجزيرة بمساحة 13 ألف متر مربع بتكلفة 5.34 مليون دولار، ومن ثم في اليوم التالي عقدًا مماثلًا لبناء مخزن في نهر النيل بمساحة 6,600 متر مربع بتكلفة 7.76 مليون دولار، تُنفَّذ المشاريع في مدد زمنية قدرها 8 إلى 10 أشهر. في الإعلان الرسمي، يُشير الصندوق إلى أن هذه المخازن ستسهم في استيعاب كميات ضخمة من الأدوية وتعزيز قدرته على التوزيع واستدامة التوفر الدوائي.

لكن هذا الإعلان الرسمي يخفي خلفه مفارقة مؤلمة: في ظل شحّ الأدوية الحاد وارتفاع أسعارها الجنوني، وتعطل الكثير من المنشآت الصحية، ووفاة حالات بسبب انعدام الدواء، هل من المنطقي أن تُستخدم موارد ضخمة في البنى التحتية بينما يعجز الصندوق عن تأمين الدواء للمحتاجين اليوم؟

من واقع الأزمة: السودان يعاني نقصًا خطيرًا في الأدوية الأساسية نتيجة تدمير البنية التحتية الصحية، وانقطاع سلاسل الاستيراد، وتقهقر المصانع المحلية.  الأخبار العاجلة تؤكد أن أطباء في الفاشر يحذرون من “كارثة إنسانية وشيكة” بسبب نفاد المخزون الدوائي بالمستشفيات، تشمل الأدوية المزمنة والمضادات الحيوية والإمدادات الطارئة. وفي العاصمة الخرطوم يُخبر مواطنون أن دواء خافض الحرارة بات متوفرًا في ست صيدليات فقط وأنه يُوزّع بالزيادة أو بالحصص على مريض واحد فقط.

كما ضبطت حالات تروّيج لأدوية منتهية الصلاحية أو مزورة تُباع في السوق السوداء، وتُسهم هذه الظاهرة في إزهاق أرواح إضافية. إنّ قطاع الأدوية اليوم في السودان لا يعاني فقط من النقص والإفقار، بل من فقدان صلاحية الدواء وسوء الرقابة.

في هذه البيئة، يبقى السؤال: أيُّ مساهمة مباشرة ستُقدّمها المخازن الجديدة في إنقاذ مريض اليوم؟ هل ستُسهم في خفض أسعار الأدوية او تحل واقع انقطاعها التي يواجهها المواطن الان في الصيدليات؟ هل هذه المشاريع تُعالج أسباب الأزمة أم تُجمّل مقاصدًا غير استراتيجية؟

يمكن تفهّم أن البنى التحتية مهمة، لكن الأولوية الفعلية للتدخل ينبغي أن تكون تأمين الوفرة الدوائية، استعادة خطوط الاستيراد، دعم التصنيع المحلي، وضبط التهريب. يُشير بعض الخبراء إلى أن تعزيز الصناعة الدوائية الوطنية يُعد خطوة استراتيجية لمواجهة النقص المتكرر، وتقليل الاعتماد على الاستيراد. كما أن استعادة تدفق التمويل الدولي والمساعدات العاجلة يلعب دورًا حيويًا في سد الفجوات.

إضافة إلى ذلك، لا بد من استعادة دور الرقابة الفعالة على الأدوية، ومعاقبة المتورطين في تهريب الدواء أو الترويج للأدوية المغشوشة. ففي ظروف كهذه، لا يمكن أن تمرّ عقود بملايين الدولارات دون مساءلة واضحة تمنع هذا الشطط.

إذا كان هدف الصندوق هو بناء أمن لوجستي مستقبلي، فهذا مشروع يُحتمل أن يكون ذا جدوى على المدى البعيد، لكن أن يُقدَّم في لحظة يُصارع فيها الناس الموت بحثًا عن جرعة دواء منقذ للحياة، فهو اختيار يُشبِه أن تؤخر إسعاف مريض لإنشاء مبنى جديد داخل المستشفى. الأولوية اليوم لا في المبانى سادتنا الأجلاء قادة الصندوق القومى للإمدادات الطبية، بل في توفير الدواء، وفي الأجهزة، وفي الشحنات المستعجلة التي تصل سريعًا إلى الصيدليات والمستشفيات، لا في القاعات الفارغة التي ربما تبقى بلا محتوى.

بعد اخير :
خلاصة القول، إن بناء المخازن استثمارٌ في البنية اللوجستية، لكن الاستثمار في الأرواح يبدأ بتوفير الدواء اليوم — وليس بعد أن تُنجَز المبانى والمتوفر على الأرض منها خالى من الأدوية التى يحتاجها المرضى الان.. واخيراً، على الصندوق أن يعيد ترتيب أولوياته؛ فالمواطن لا يُخدع بالمبانى إذا كان أمامه رفّ خالٍ من الادوية اللهم إلا إذا كان الغرض آخر لا يراه ضحايا عجز الصندوق على تصحيح بوصلة أولوياته المختلة… و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *