روسيا وأوكرانيا أبعاد الصراع ومآلات المستقبل(1-3)
بروفيسور إبراهيم محمد آدم
الخرطوم=^المندرة نيوز^
إن الناظر إلى الأمور نظرة عادية قد يرى في الصراع بين روسيا وأوكرانيا نزاعاً بسبب رغبة أوكرانيا في الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي، مما يجعل روسيا تحت مرمى نيران ذلك الحلف عندما يكون على حدودها مباشرة، لذلك فإن مساعي الإتحاد الأوربي والناتو في ضم أوكرانيا قد أحالت الأمر إلى أزمة، وفسر بوتين إنضمام هذه الدولة إلى الناتو على أنه “نقض لوعد” الولايات المتحدة، الذي قدمه وزير خارجيتها آنذاك، جيمس بيكر، لميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للإتحاد السوفيتي خلال زيارة الأخير لموسكو في شهر فبراير عام 1990 لمناقشة إعادة توحيد ألمانيا بعد سقوط جدار برلين.
وقد كتب بوريس يلتسين رئيس روسيا وإتحاد الدول المستقلة الذي أعقب نهاية الإتحاد السوفيتي رسالة إلى الرئيس الأمريكى حينها بيل كلينتون في سبتمبر 1993، معرباً عن مخاوف مماثلة، قائلا: “نحن نفهم، بالطبع، أن أي انضمام محتمل لدول أوروبا الشرقية إلى الناتو لن يؤدي تلقائياً إلى تحول التحالف بطريقة ما ضد روسيا، ولكن من المهم مراعاة الكيفية التي قد يتفاعل بها الرأي العام لدينا مع هذه الخطوة”.
ولمعالجة هذه المخاوف تم التوقيع على “القانون التأسيسي” لحلف الناتو وروسيا في عام 1997، وهو إتفاق سياسي ينص صراحة على أن “الناتو وروسيا لا يعتبران بعضهما البعض خصمين”.
ووفقاً لمسؤولين روس، فإنه من المفترض أن يكون بيكر قد تعهد لغورباتشوف، بأنه “لن يكون هناك تمدد لقوات الناتو بوصة واحدة إلى الشرق”، على الرغم من أن هذا الاقتباس هو “محل خلاف كبير”، وأن الأخير نفى أن يكون بيكر قد تحدث به، وذلك في مقابلة أجرتها معه في أكتوبر 2014 صحيفة كوميرسانت.
وتعتبر روسيا الإتحادية أكبر دولة في عالم اليوم من حيث المساحة، مما يجعلها تتفوق على الولايات المتحدة والصين و استراليا؛ حيث تبلُغ مساحتها الإجمالية 17,098,242 كم2، وتبلغ مساحتها البرية 16,377,742 كم2، بينما تبلُغ مساحتها المائية 720,500 وهي تريد أن تحافظ على مساحتها تلك دون أي تهديد.
إن انضمام دول مثل رومانيا وبولندا التي ليست لها حدود مباشرة مع روسيا لا يشكل خطراً عليها ، حتى عند تنفيذ الإتفاق الخاص بعدم التمدد شرقاً.
وفيما يتعلق بدول البلطيق الثلاث استونيا ولاتفيا وليتوانيا فنجد أن ليتوانيا لا حدود مباشرة لها مع روسيا، بينما لاتفيا وستونيا منحصرة بين روسيا وبحر البلطيق لذلك لا تشكل خطراً كبيراً على روسيا، وهناك عامل صغر مساحة تلك الدول وقلة عتادها العسكري مقارنة بأوكرانيا التي تمثل حائط صد بين روسيا وكل من مولدافيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر الاعضاء الجدد في حلف الناتو وقد كانت جميعها أعضاء في حلف وارسو أيام سطوة الاتحاد السوفيتي.
إن أوكرانيا كانت تمثل الدولة الثانية في الإتحاد السوفيتي السابق بعد روسيا من حيث إحتياطاتها من الحديد والمعادن الأخرى والقمح، بالإضافة إلى تخصيص صناعات ومحطات مهمة بها مثل مفاعل شيرنوبل والذي اشتهر بتسرب الغاز النووي في ثمانينيات القرن الماضي، هذا بالإضافة إلى أن 30% من سكان أوكرانيا هم من الروس وهي سياسة اتبعها الاتحاد السوفيتي بتوطين العديد من الروس في تلك الجمهوريات، لذلك ظلت بعض الجمهوريات السابقة مثل طاجيكستان واوزبكستان وأذربيجان وغيرها لا تشكل تهديداً كبيراً لموسكو بوجود مواطنين من أصول روسية فيها، كما أن إنضمام أوكرانيا يخالف إتفاقية عام 2014م الموقعة مع روسيا والتي تنص صراحة على عدم إنضمام أوكرانيا لأي حلف وقد ظل ذلك الإلتزام سارياً حتى جاء الرئيس الحالي فلاديمير زلنسكي وهو من أصول يهودية وطلب رسمياً الى حلف الناتو.
وفي مقال له بصحيفة الواشنطن بوست يشخص وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر الأمر بوضوح فيقول ان أوكرانيا كانت مستقلة لمدة 23 عاماً فقط وظلت في السابق تحت نوع من الحكم الأجنبي منذ القرن الرابع عشر، وبالنسبة لروسيا لا يمكن لأوكرانيا أبدا أن تكون مجرد دولة أجنبية فقد كانت جزءاً من روسيا لعدة قرون، وكان تاريخها متشابكاً مع روسيا قبل ذلك، بل وحتى المنشقين الروس المشهورين مثل الكسندر سولجينستين وجوزيف برودسكي أصروا على أن أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من التاريخ الروسي.
لعل أوكرانيا بلد متعدد القوميات ومتعدد اللغات، وقد تم دمج الجزء الغربي منها في الإتحاد السوفيتي عام 1939م عندما قسم جوزيف ستالين وهتلر الغنائم وأصبحت شبه جزيرة القرم التي يبلغ الروس فيها 60% من عدد سكانها عام 1954جزءاً منها عندما منحها لأوكرانيا الرئيس السوفيتي نيكيتا خروتشوف وهو أوكراني بالميلاد.
ومن حيث الدين نجد غرب البلاد كاثوليكي إلى حد كبير وشرقها أرثوذكسي روسي، يتحدث الغرب اللغة الأوكرانية، ويتحدث الشرق في الغالب اللغة الروسية، ولعل هذا الإنقسام تجسد في الخلاف بين الرئيس السابق فيكتور يانو كوفيتش ومنافسته فكتوريا تيموشنكو لأنهما كانا يمثلان جناحي أوكرانيا، وقد وصف كسينجر في مقاله ذاك حلولاً للازمة الأوكرانية طالب فيها بمنح الحرية لأوكرانيا في خياراتها السياسية والاقتصادية، وكذلك عليها ألا تنضم إلى حلف الناتو كما تعهدت قبل سبع سنوات، وذلك لأن هذا المنحى يجدد مواجع موسكو عندما تتذكر أن وارسو التي سمى باسمها الحلف الإشتراكي السابق قد أصبحت للمفارقة عضواً في الحلف العدو الناتو، وكان يجب على القادة السياسيين إتباع الحياد على المثال الفنلندي والنمساوي والسويسري قبل وقوع هذه الحرب.